الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد

خطوة متقدمة من أجل مكافحة الفساد في اليمن

كان صدور القرار الجمهوري رقم (12) لسنة 2007م بتشكيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد إكمال خطوة متقدمة في اليمن في مسيرة مكافحة الفساد والحرب ضده وملاحقة الفاسدين.

وخلال السنوات العشر الماضية بقي الخطاب السياسي للحكومة أو الأحزاب السياسية أو المنظمات غير الحكومية مطالباً بضرورة استمرارالعمل على مكافحة الفساد بصفته أهم العقبات التي أعاقت التنمية وخلقت تدهوراً واسعاً في مختلف المجالات.

ولكن بقي الأمر في دائرة المناشدات أو الخطابات السياسية الرنانة التي لم تتحول إلى خطوات واقعية ملموسة وبرغم زخم الكتابات السياسية والبيانات الإعلامية العديدة المختلفة نادار ما نجد نجد أنها طرقت أفكاراً محددة توضح ما هو المطلوب من المجتمع (مؤسسات رسمية وغير رسمية ) لمكافحة الفساد ؟! وما هي البرامج المقترحة للوقاية من الفساد ومكافحته ومعاقبة مرتكبيه .

وكان للتفاعل الدولي مع قضايا الفساد عالمياً الأثر الايجابي الواضح على المستوى الوطني في كل قطر ومنها اليمن  كون مشكلة الفساد تتجاوز حدود البلد إلى عالم صار لزاماً عليه ضرورة أن يعمل على تضافر الجهود لتحقيق نتيجة ايجابية ملموسة لمكافحة الفساد .

• الاتفاقية الدولية خطوة أولى :

لذلك عندما تكللت الجهود العالمية بالنجاح وتحققت الخطوة الأهم المتمثلة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ساعدت بشكل كبير الجهود المحلية للدفع بالمسيرة الوطنية في اليمن لتسير خطوة جديدة إلى الأمام في مكافحة الفساد وتدفع بالعملية إلى خارج دائرة الاهتمام الإعلامي المحدود أو الخطاب السياسي إلى فعل تمثل بتطوير التشريعات وبما يتلاءم  والتوجه المطلوب لمكافحة الفساد فكان توقيع اليمن على الاتفاقية ضمن الوفود الأولى التي شاركت في اجتماع المكسيك وتم توقيع اليمن على الاتفاقية في 11/12/2003م وهي الخطوة التي حركت المياه الراكدة في الداخل وبدأ التفاعل على مستوى مجلس النواب وضرورة العمل على إكمال الخطوة عبر التصديق على الاتفاقية كونها ستشكل خطوة متقدمة لبرامج مكافحة الفساد التي نريدها على المستوى الوطني , وخلق النقاش حول الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد جواً مناسباً لجعل هذه القضية في صدارة الاهتمام للأحزاب السياسية والإعلام والشخصيات العامة وبالفعل أثمرت الجهود سرعة معقولة بالدفع بالأمر إلى المصادقة على الاتفاقية وهي الخطوة التي تمت  في  3/   8  / 2005م حيث صدر القرار الجمهوري رقم ( 47) لسنة 2007م بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد بعد إقرار مجلس النواب لها لتصبح بذلك جزء من التشريع الوطني للجمهورية اليمنية .

• التحفظ المحدود:

وكانت المصادقة على الاتفاقية مع التحفظ على المادة رقم (44) والفقرة 2 من المادة(66) وتشمل المادة (44) من الاتفاقية (18) بنداً كلها حول تسليم المجرمين وشروط ذلك

وتشمل الفقرة 2 من المادة (66) موضوع النزاع الذي ينشأ بين دولتين او أكثر من الدول الأطراف للجوء الى التحكيم في حالة فشل حل النزاع سلمياً او اللجوء الى محكمة العدل الدولية.

• تطوير التشريع الوطني:

وبدأت عملية إكمال المنظومة القانونية للنزاهة ومكافحة الفساد تسير بشكل جيد في مجلس النواب , حيث أكمل النقاش البرلماني لمشروع قانون الذمة المالية ليصدر هذا القانون رقم (  30   ) لسنة 2006م  في 6/7/2006م.

وهي إضافة هامة تعزز التوجه بضرورة خلق مناخ من الثقة لدى الجمهور معززا بالشفافية ومعرفة مصادر الدخل للمسئولين في مختلف قطاعات الدولة.

وينص هذا القانون  على ضرورة أن تقدم إقرارات الذمة المالية إلى الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ؟! ولم تكن الهيئة قد أنشئت بعد؟! وهو تضارب تشريعي استدركه المشرع بالإسراع في إصدار قانون خاص لمكافحة الفساد حيث نصت على ذلك الاتفاقية الدولية التي تؤكد ضرورة وجود آليات وطنية لمكافحة الفساد .

وبالفعل قام مجلس النواب بجهود العديد من البرلمانيين والحقوقيين والمنظمات بوضع مشروع القانون الذي حظي بنقاش برلماني واسع وصدر القانون رسمياً بالقرار الجمهوري رقم (  39   ) لسنة 2006م.

• خطوة تشريعية متقدمة :

يعد القانون رقم (   39  ) لسنة 2006م الخاص بمكافحة الفساد قانونا متقدما على المستوى الوطني ,واسترشد المشرع بروح الاتفاقية الدولية والجهود العالمية لمكافحة الفساد ليواكب التطور في هذا الشأن .

وأهم ما يميزه إلى جانب التشديد على صلاحيات الهيئة واستقلاليتها وحمايتها هو أنه عزز من استقلالية البرلمان كسلطة تشريعية ورقابية في جعله الجهة التي تنتخب أعضاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وهو الإجراء الذي يعزز من رقابة البرلمان ويقوي من عمل الهيئة واستقلاليتها أيضاً.

كما نص على ضرورة أن يمثل في الهيئة قطاعات المجتمع المدني / والمرأة/ والقطاع الخاص , وهي خطوة تعني إشراك المجتمع ككل في عملية مكافحة الفساد واتخاذ القرار في هذا المجال الهام والخطير .

وقد حددت المادة الثالثة من القانون الأهداف المرجوة منه وهي :

إنشاء الهيئة :

ونصت المادة (5) على إنشاء هيئة مستقلة تسمى ( الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ) ، وأن تتمتع الهيئة بالشخصية الاعتبارية ويكون لها استقلال مالي وإداري . ويكون المقر الرئيسي للهيئة -أمانة العاصمة صنعاء ويجوز إنشاء فروع لها في بقية محافظات الجمهورية عند الاقتضاء بقرار من رئيس الهيئة .

كما حددت في المادة (7) مهام واختصاصات الهيئة بأ ن تتولى رسم سياساتها وإقرار الخطط والبرامج الخاصة بعملها الى مكافحة الفساد والتنسيق مع الأجهزة المختلفة وتبين اللائحه  التنظيمية الأحكام المنظمة لذلك.

ونصت المادة (8) على أن تتولى الهيئة ممارسة المهام والاختصاصات الآتية:

ونصت المادة التاسعة على تشكيل الهيئة وانها تتكون من أحد عشر عضواً ممن تتوفر فيهم الخبرة والنزاهة والكفاءة على ان تتمثل في الهيئة منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة .

وحددت شروط العضوية بأن يكون يمني الجنسية وان لايقل عمره عن أربعين عاماً وأن يكون حاصلاً على مؤهل جامعي على الأقل ، وأن لايكون قد صدر بحقة حكم قضائي بات في قضية من قضايا الفساد او في قضية مخلة بالشرف او الأمانة مالم يكن قد رد اليه اعتباره .

ومنح مجلس الشورى حق تقديم قائمة مرشحين تضم ثلاثين شخصاً الى مجلس النواب و يزكى مجلس النواب عن طريق الاقتراع السري أحد عشر شخصاً من بين قائمة المرشحين . وترفع هيئة رئاسة مجلس النواب الى رئيس الجمهورية اسماء الأحد عشر الفائزين بأغلبية الأصوات ليصدر قراراً بتعيينهم .

والزمت المادة 11 /أ – أعضاء الهيئة قبل مباشرة مهامهم بأداء اليمين القانونية . وتكون مدة أعضاء الهيئة خمس سنوات تبدأ من اليوم التالي لصدور قرار تعيينهم ولمرة واحدة فقط وينتخب اعضاء الهيئة في اول اجتماع لهم من بينهم رئيساً لهم ونائباً للرئيس ، وتوزع المهام بين الاعضاء بقرار من أغلبية أعضاء الهيئة ، على ان يعاد انتخاب رئيس الهيئة ونائبة كل سنتين ونصف .

وحددت المادة (12) بأن يكون للهيئة جهاز تنفيذي يتولى المواضيع الفنية والإدارية والمالية ، وتبين اللائحة التنظيمية تقسيماته واختصاصاته . ويكون لها أمين عام يصدر به قرار من رئيس الهيئة بعد موافقة أغلبية أعضائها ويكون مسئولا  أمام الهيئة عن إدارة وتسيير النشاط اليومي للجهاز التنفيذي ، وتحدد اللائحة مهامه واختصاصاته .

ج- تختار الهيئة كادرها الإداري والفني من ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة والتخصصات العلمية وبشفافية عبر المنافسة وفقاً للمعايير التي تحدده اللائحة التنظيمية ؟

ومنحت المادة (14) موظفي الهيئة الذين يحددهم رئيس الهيئة بقرار منه الضبطية القضائية ، وتبين اللائحة الأعمال التي يقوم بها موظفو الهيئة بناءاً على هذه الصفة .

ونصت المادة (15) على الاستقلالية لعملها ولا يجوز لأي شخص أو جهة التدخل في شؤونها بأية صورة كانت ويعد مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم.

•·       الهيئة كجسر مشترك :

ولأن الفساد آفة مدمرة تجتاح كل المجتمع , فإن محاربتها بحاجة إلى جهود كل المجتمع أيضاً , ومن هنا كان القانون اليمني لمكافحة الفساد مركزاً في أهدافه ومضامينه بضرورة إشراك المجتمع ككل في محاربة الفساد ابتداءَ من تشكيل الهيئة وانتهاءً بمختلف المهام التي تضطلع بها كون الفساد يغذي الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويعد سببا رئيسا للفقر والبؤس الذي يحاصر المجتمع , ودافعا مهما في عملية الإخلال بالقانون وسبب في إضعاف العملية الديمقراطية  .

لذلك كله رأت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد منذ بدء خطوتها الأولى في أول اجتماع لها يوم   7  /   7   /    2007    بضرورة أن تكون :

مؤسسة وطنية رائدة ومستقلة في تحقيق الهدف الأسمى المتمثل بمكافحة الفساد والعمل على الوقاية منه ومحاسبة الفاسدين بشدة وجدية ونزاهة ., وأعلنت في اجتماعها الأول أنها ستعمل على :-

ونظراً لأن الهيئة بعد إعلان إنشائها وأداء أعضائها القسم لم تحدد لها بعد بنيتها الأساسية من مكان وطاقم عمل وميزانية رأت أن تعقد أول اجتماعاتها في مجلس النواب حتى يتسنى لها توفير المبنى والإمكانيات الأساسية لعملها .

فكان الاجتماع بالبرلمان كونه الجهة التي انتخبت الهيئة وكونه يمثل بيت الأمة ورسمت أولى خطواتها في العملية الديمقراطية بالاتفاق على أن يكون اختيار رئيس الهيئة ونائب رئيس الهيئة بالاقتراع الحر المباشر .

•· وضع اللبنة الأولى للبناء المؤسسي :

وكون إنشاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد باليمن هي خطوة جديدة لم يسبق أن حدث مثلها , ليس على المستوى الوطني ولكن حتى على المستوى الإقليمي.فإن الهيئة رأت أن تكون خطواتها الأولى في عام التأسيس , هو البناء المؤسسي للهيئة وإرساء تقاليد العمل الديمقراطي المتمثل باحترام سيادة القانون والحيادية والنزاهة وذلك عبر مايلي :

•· لماذا شراكة إقليمية لمكافحة الفساد ؟!

صار من المسلمات المتعارف دولياً أن قضية مكافحة الفساد من القضايا التي تتجاوز حدود البلدان , وإن آثار الفساد وأضراره تتجاوز المجتمعات المحلية إلى خطر دولي لابد من الشراكة الجماعية الجادة على المستوى العالمي لمواجهته والوقاية منه .وتمثل قضية الشراكة الإقليمية خطوة أساسية في التحالفات الدولية نظراً لأنها :

•· كيف نبني تحالف إقليمي ؟!

6- يكون هذا التحالف (أو الشبكة)جسرا للتواصل مع المجتمعات الإقليمية الأخرى في العالم , والتحالفات الدولية المختلفة ويخلق تفاعلا جماعيا واسعا لتعزيز القدرات , وتوحيد مختلف الجهود في مكافحة الفساد.

____________________________________________

قدمت الورقة في المؤتمر الإقليمي ” دعم تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في الدول العربية” المنعقد في الاردن في 21 يناير 2008.

Exit mobile version