الفساد سبب للفقر وليس العكس
مر أمس اليوم العالمي لمكافحة الفساد صامتاً هنا في اليمن، وكانت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد أعلنت من قبل أنها ستحتفل باليوم العالمي (9 ديسمبر) عن طريق إعلان استراتيجية يمنية لمكافحة الفساد، ولكن الله قدر ولطف.
الفساد يتمثل في استغلال الموظفين العموميين لوظائفهم للحصول على مكاسب غير مشروعة، ويعد اختلاس المال العام وتوظيف الأقارب والسطو على الأراضي والممتلكات العامة والرشوة من ضروب الفساد الأكثر شيوعاً في اليمن، ووصل الأمر درجة أن يستغل موظفون في صندوق الرعاية الاجتماعية مواقعهم لتوظيف (19) من أولادهم، وإذا كان هذا يحدث في هيئة مهمتها مساعدة الفقراء فتصوروا كيف هو الحال في وزارة مثل النفط وما فوقها وما هو أسفل منها.. بل ان تقارير جهاز الرقابة والمحاسبة تغنينا عن هذا التصور حيث تسجل اختلاسات يومية بالريال والدولار واليورو، ومع ذلك يظل الفاسدون محصنين ضد المساءلة.
يقال إن الفساد سببه الفقر.. وهذا تفسير خاطئ وينطوي على اتهام للفقراء، بينما الذين يسرقون ويختلسون ويسطون على الأموال والممتلكات العامة هم مسؤولون أثرياء، وفسادهم هذا هو سبب الفقر المنتشر في المجتمع اليمني، وهو سبب كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية.
وأوضح مثل لذلك هو صعدة التي حرمت من التنمية والخدمات نتيجة ذهاب موازنات المشاريع والمساعدات إلى جيوب مشايخ ومسؤولين فاسدين. لقد قال لي صديق من صعدة إن الحكومة خصصت قبل سنوات مئات الملايين لبناء سدود ومنها سد في منطقة آل سالم وأعلن عن انجاز السد وبعد سنوات خصصت ملايين لترميم السد، وقد صرفت التكاليف كلها من الخزانة العامة، لكن من الناحية العملية لا يوجد سد في آل سالم بل على الورق او الفواتير، وقال لي أيضاً أن حالات الضمان الاجتماعي المخصصة لفقراء صعدة يتقاسمها المشايخ الأغنياء، لهذا عشر حالات وذاك عشرون، وحتى في ظروف الحرب هذه الأيام يستأثرون بالمعونات الشعبية المقدمة للنازحين.. ان الفساد يا قوم أدى في بعض البلدان إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية بعد ان أفقر الناس في تلك البلدان.
في بعض البلدان سمح كبار المسؤولين فيها بممارسة الفساد استناداً الى تقديراتهم ان ذلك مفيد أو من أجل مصلحة مثل: أعطي القبيلة د * الفلانية أموالاً لإرضائها.. عيّن ابن فلان في منصب عام لشراء سكوته.. لا تسائل الفاسد الفلاني لأن عائلته ستثير المتاعب.. دع هذا الفاسد يمارس فساده فإذا تمرد او رفع رأسه أسكتناه بوثائق تدينه.. إن هذه التقديرات خاطئة للغاية، وبصورة عامة لا يمكن أن تنتج عن الفساد أي مصلحة.. وإذا سلمنا بأن بعض حالات الفساد تمارس من أجل تحقيق مصلحة آنية للنظام مثلاً فأنها تقود إلى مفسدة طويلة الأمد وخطيرة الأبعاد.