دراسات وأوراق عمل

مكافحة الفساد من منظور إسلامي {الأسباب والمعالجات}

قال تعالى:

{ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }.

صدق الله العظيم

سورة : الرعد الآية: 25

 

تمهيد:

يعاني العالم اليوم من محن اقتصادية، ولعل من أهم المحن هو استشراء ظاهرة الفساد الاقتصادي الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة في حجمه وتنوعه، وآثاره المدمرة على اقتصاديات الدول النامية وبالأخص الدول الإسلامية، واتخذ عدة صور ومظاهر وأشكال، منها ضعف الخلق الوظيفي، والاعتداء على المال العام ،وفشل التنمية في رفع مستوى المعيشة ، وغياب التأديب والعقاب اللازم للمفسدين ، وظهرت مظاهر الوساطة والرشوة والاحتيال والنصب ، وتقديم المصالح الخاصة على المصالح العامة، ناهيك عن صور الاحتكار والغش التجاري.

وقد شهدت السنوات القليلة الماضية اهتماماً من طرف الباحثين والخبراء والمختصين وأصحاب القرار السياسي والمنظمات الدولية بظاهرة الفساد ، ولعل أبرز هذه المنظمات ” منظمة الشفافية  الدولية ” («1») من خلال إطلاقها لمؤشر مدركات الفساد ، ومن خلال تقريرها الصادر مؤخراً، حيث يبين ” أن ثلث الفساد  المالي مركزه الوطن العربي ، ونصفه في العالم الإسلامي ، وأن حجم الفساد المالي في العالم بألف بليون دولار، منها ثلاثمائة بليون في الوطن العربي وحده، أي أن حجم الفساد المالي في الوطن العربي يساوي ثلث الفساد العالمي ، فإذا أضفنا حجم الفساد في الدول القائمة في العالم الإسلامي الأخرى فإن حجم الفساد في العالم الإسلامي يتجاوز نصف الفساد العالمي، والفساد المقصود في هذا التقرير ينحصر في سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصية، فكيف لو تحدث التقرير عن أنواع الفساد الأخرى الأخلاقية والبيئية والإدارية.

إن الفساد الاقتصادي أصبح مشكلة خطيرة وظاهرة سرطانية يهدد الدول العربية والإسلامية بعد أن تفشت جرائمه وزادت معدلاته كما ذكرنا فيما سبق ، وهذا يعود إلى قصور التدابير التقليدية لعلاج مشكلة الفساد الاقتصادي من ضعف وعجز وانعدام فاعليته لتنفيذ التشريعات والقوانين الجنائية العربية والإسلامية ، وضعف آليات المساءلة والشفافية. وهذا ما أدى إلى انتشار الفساد في الدوائر الحكومية وقطاع المال العام والقطاع الخاص وتحوله أي الفساد إلى سلوك متعارف عليه، وهذا ما يعد مسألة خطيرة تؤدي بالبلاد إلى مزالق الدمار الاقتصادي والأخلاقي.

إن مكافحة الفساد الاقتصادي من وجهة النظر القانونية الوضعية لم تجدي نفعاً ولم تقدم حلولاً لاستئصال الفساد من جذوره. فالدول العربية والإسلامية تناست أصل المشكلة وهو التربية والأخلاق والوازع الديني المنبثق من العقيدة الإسلامية، لذلك قدمت الشريعة الإسلامية بنظامها المتميز ومبادئها الراقية وقواعدهما المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فكراً اقتصادياً واضحاً يعمل على تحقيق العدالة والمساواة بين الناس، فنشرت الفضيلة وحذرت من الرذيلة ودلت على طريق الخير ونهت عن سلوك طريق الشر وأسبابه، بل وضعت من الوسائل الوقائية ما يكفل للإنسان الابتعاد عن الوقوع في الجريمة بكافة أنواعها ووضعت حلولاً للمشكلة الاقتصادية والاجتماعية التي تتسبب في اقتراف مختلف أنواع الفساد.

ولعل اليمن مثلها مثل الدول الإسلامية تعاني من ظاهرة الفساد الاقتصادي، والذي من أهم مظاهره الرشوة، واستغلال النفوذ لأغراض شخصية، وانتشار الفساد المالي والاقتصادي، والتهريب والغش الضريبي..الخ ورغم الإجراءات الإدارية والحكومية الصارمة لمكافحة الفساد التي تبنتها اليمن للحد منها («2») ، إلا أن في اعتقادنا لا تكفي هذه الإجراءات ، ما لم تكن هناك نية واضحة من أجل استئصال الفساد من جذوره ، والعمل على حل المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فالفساد – كما تقدمنا – يعيق التنمية ويحول دون قدرة المجتمع على استغلال موارده وإمكانياته الاقتصادية الاستغلال الأمثل، كما يعوق عمليات التوزيع العادل للدخل العام بين المواطنين ، فتزداد مشكلة البطالة وتتدهور الأخلاق والقيم النبيلة ويعجز المجتمع عن الوصول لحالة التشغيل الكامل لمرافقه وبناه التحتية، وكذلك يؤدي الفساد إلى فقدان الثقة ما بين المواطن والدولة.

أولاً: مفهوم الفساد الاقتصادي

1- مفهوم الفساد في اللغة:

من فسد يفسد فسوداً فهو فاسد ، والاسم” الفساد: والمفسدة خلاف المصلحة ، وهو مأخوذ من الفعل يفسد إذا ذهب صلاح الشيء ، وهو نقيض الصلاح ، وخروج الشيء عن الاعتدال قليلاً كان الخروج أو كثيراً يقال : فسد الشيء بمعنى أنه لم يعد صالحاً، وفسدت الأمور: اضطربت وفسد العقل : بطل ، وفسدت الأمور : اضطربت وأدركها الخلل ، وغالباً ما يأتي فساد الشيء من ذاته(«3»والإفساد مصدر فعله أفسد.

2- مفهوم الفساد في الإصطلاح:

يكاد لا يخرج عن المعنى اللغوي ، ومن ثم نجد الإمام الفيروز أبادي يعرف الفساد بأنه: أخذ المال ظلماً، والمفسدة ضد المصلحة ” () .  ويعرف الشيخ الصابوني الفساد على أنه ” العدول على الاستقامة ” ، وقد وضحه الإمام القرطبي بأنه : الرشوة والظلم والمعاصي وقطع الأرحام والقتل والعودة إلى الجاهلية وغير ذلك”.

وعند أكثر العلماء : الفاسد مرادف الباطل ، وكل باطل فاسد ، ووردت كلمة ” الفساد” في القرآن الكريم ما يقارب خمسين مرة بصيغ وأٍساليب مختلفة ، وتندد بالفساد وتبين خطورته ، كما وردت في الأحاديث النبوية الشريفة ، وفي كلام العرب ، وجميعها تدل على أن الفساد  ضد الصلاح.

3- الفساد الاقتصادي عند علماء الاقتصاد الإسلامي :

في الحقيقة لم يكن هناك تعريف واضح للفساد عن المحدثين من علماء الاقتصاد الإسلامي، ولكننا على ضوء الأحكام السياسية والقواعد الاقتصادية العامة التي جاء بها القرآن الكريم ، وجاءت السنة النبوية مفسرة وموضحة لها , ومن خلال اجتهاد الفقهاء في مجال عقود المعاملات ، وما يرتبط بها من النشاط الاقتصادي بالوقوف على ما قدمته الممارسة الاقتصادية في صدر الإسلام(«5»وبخاصة في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز من رخاء اقتصادي حيث بلغت الدولة الإسلامية الذروة في الإيرادات والزيادة فإنه يمكننا أن نتوصل إلى تعريف للفساد من وجهة نظر علماء الاقتصاد المسلمين فنقول بأنه(«6»):جعل الجانب المادي الهدف الوحيد للنشاط الاقتصادي الذي يمارسه الإنسان المعاصر دون مراعاة للقيود الشرعية التي تنظم أحكام المال ، أو التفات للجوانب الأخرى التي يكتمل بها البناء الاقتصادي كالقيم والمبادئ الأخلاقية الروحية.

وبعبارة أخرى فإن الفساد الاقتصادي يتمثل في التركيز أثناء الممارسة الاقتصادية عملاً وإنتاجاً وتوزيعاً على جانب واحد من جوانب الحياة الإنسانية وإهمال الجوانب الأخرى ، كعدم الإلتزام بالأحكام الشرعية المنظمة لتحصل المال وكيفية تنميته وإنفاقه ، وكذلك عدم أداء الحقوق الواجبة في المال وإساءة التصرف في التعامل بما يضر بمصالح النظام الاقتصادي السليم من جوهره الذي يقوم عليه ، ويفرغ مساره التطبيقي من وسائله المشروعة التي تكفل له الوجود الحقيقي والأداء المنشود.

ثانياً : أسباب الفساد الاقتصادي

تتعدد أسباب الفساد وتختلف حدتها من مجتمع لآخر تبعاً لطبيعة البيئة والعوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقيم الدينية والأخلاقية المتفاعلة فيه، كما تتأثر بدرجة كفاءة الجهاز الإداري للدولة. وتزداد فرص الفساد وتستشري في مراحل التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا تتعدد أسباب ودوافع الفساد الاقتصادي ويمكن تقسيمها إلى أسباب اجتماعية واقتصادية وسنتناول أهم تلك الأسباب فيما يلي:-

1. الأسباب الاجتماعية:

‌أ. ضعف الوازع الديني :

لقد كانت العقيدة الإسلامية في عصر الإسلام الأول موقظة للضمير مهذبة للنفس الإنسانية المسلمة لأنها كانت بالدرجة الأولى شعوراً قوياً بموقع الإنسان من خالقه وإلهه الواحد الأحد الذي لا إله سواه ، وهو موقع المسئول عن أمانة استخلافه في هذه الأرض ، ولقد كانت العقيدة الإسلامية متصلة بحياة الفرد المسلم النفسية والخلقية ، والحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية. فكانت الجريمة(«7») نادرة الوقوع، وإن وقعت فإن آثارها سرعان ما تتلاشى وتنتهي في مهدها نظراً لقوة تمسك المجتمع بعقيدته الإسلامية.

وبما أن ضعف الالتزام بالعقيدة الصحية وبروز الانحراف الأخلاقي وظهور المؤثرات السلبية في المجتمع الإسلامي حتى أصبح التسابق نحو الشهوات الذاتية، والرفاهية الشخصية أمراً واضحاً، وأصبح الكثير من أفراد المجتمع لا يهمهم إلا الحصول على المال بأي طريق مشروع أو غير مشروع، حلال أم حرام.

كما كثر التنازع على الأموال والحقد والحسد بين أفراد المجتمع والتسابق على مظاهر الحياة الخادعة ، والانصراف عن جوهر وحقيقة الدين الإسلامي ، والعادات والقيم الإسلامية والعربية الأصلية ، كل ذلك جعل أفراد المجتمع يعيشون فراغاً روحياَ وعاطفياَ وبالتالي الانحراف والفساد والتصرف دون وازع من دين أو ضمير أو خلق فيظهر الفساد في صور التدمير والتخريب للبنى التحتية واقتحام للمنشآت والنهب والاستيلاء على المخازن والسلع الخاصة بالمال العام ولم يعد الفساد محصوراً فقط على أصحاب القرار وممن يشغلون الوظائف العامة بل تجاوز الفساد إلى شرائح متعددة في المجتمع اليمني على غرار ما قامت به الجماعات المسلحة في الآونة الأخيرة أثناء حدوث الأزمة اليمنية.

‌ب. ضعف الدور التربوي للأسرة:

 كما هو معلوم فإن الأسرة هي الخلية الأساسية لبناء المجتمع ، وصلاحها يعني صلاح المجتمع وفسادها يعني فساد المجتمع ، وقد أعطى  الإسلام دوراً كبيراً للقيم والأخلاق في تكوين أسرة صالحة تجمع ما بين زوج صالح وزوجة صالحة ، وتقع مسؤوليتهما على تربية أولادهم على الدين الصحيح من أجل خلق مجتمع صالح ، ولكن للأسف ما نراه في وقتنا انشغال رب الأسرة بالعمل ، إضافة إلى خروج المرأة للعمل دون مراعاة الواجبات التربوية للأولاد من كلا الطرفين فتنشأ أسرة معوجة ومنحرفة ، كل هذه العوامل تعمل على إنشاء جيل منحرف السلوك يهيئ له الفرصة في ارتكاب مفاسد نظراً لقصور رب الأسرة والمرأة في تربية أولادهم التربية الصحيحة.

‌ج. تدني الدور التربوي للمدرسة:

المدرسة هي المؤسسة التربوية بعد الأسرة في بناء المجتمع ، ولعل الضعف التي تعاني منه المدرسة في عصرنا هذا ، إضافة إلى اكتفاء تركيز المعلمين على البعد التعليمي فقط دون الدور التوعوي والتربوي الذي جعل المدرسة تبتعد عن دورها التنويري والتوعوي داخل المجتمع.

‌د. عدم ترشيد وسائل الإعلام:

تركز بعض وسائل الإعلام في عالمنا العربي والإسلامي وخاصة الفضائيات على بث السموم ( الأفلام الرذيلة، الأغاني الساقطة… ) والتي لا تتفق مع مبادئنا، حيث تعمل على تدمير الأخلاق الإنسانية الفاضلة والعلاقات الاجتماعية، وهذا ما يساعد على انتشار مظاهر الانحراف في مجتمعاتنا.

‌ه. ضعف الأجور والمرتبات :

من أسباب الفساد أيضاً تدني الأجور وضعف المكافآت في القطاع العام، خاصة في الدول العربية والإسلامية، مما يشكل دافعاً للارتشاء وهذا ما يعد سبباً لكل التصرفات المخالفة والتي تمكنه من زيادة الدخل المحدود وتعويض ذلك النقص من خلال الطرق الغير مشروعة، إلا أن هذا السبب يبقى ثانوياً فمعظم الناس تتميز بميولها إلى حب المزيد والتطلع وبالتالي مهما كانت الأجور مرتفعة فإنها لا تحد الإنسان من طلب المزيد ، ولكن ما يدعم ذلك هو ضعف  المحاسبة والمراقبة وعدم جديتها , واستحالة تطبيق ذلك على الواقع بفعالية ، فرغم وجود القوانين التي تحد من تلك الممارسات والتصرفات الغير قانونية إلا أن تطبيق ذلك على الواقع يظل حبيساً وراء الجدران وفي دهاليز القوانين غير المنفذة كما هو الحال بالنسبة للرشوة مثلاَ.

‌و. الخطــاب الديني:

عدم تفعيل دور الرسالة المسجدية في مكافحة الفساد وبالوسائل الشرعية الصحيحة التي تساهم في الحد من مظاهر الفساد وعدم إدراك الكثير من الخطباء لما يسمى بفقه الواقع وإعماله في المكان الصحيح بالأسلوب الحكيم والموعظة الحسنة واستخدام الآيات والأحاديث النبوية الكريمة في علاج المشكلة من جذورها كونها تحذر من الفساد وفقاً للأحكام الشرعية التي تنص على وجوب تطبيق الحدود في حق كل من خالف أو ارتكب ما يوجب تطبيق هذه الأحكام عليه.

‌ز. عدم الاستقرار الاجتماعي:

يعود عدم الاستقرار الاجتماعي، إلى عدم تطبيق النظام الاجتماعي الإسلامي العادل ، ولعل تنوع الثقافات والقيم التي لا تتماشى مع المنهج الحقيقي إلى ظهور الفوارق الاجتماعية العمل على تغذية مظاهر العنف الاجتماعي، والتي ساهمت في ازدياد معدلات الجريمة بسبب التفاوت الطبقي في المجتمع واتساع مظاهر الفساد.

2. الأسبـاب الاقتصادية:

لا يمكننا حصر كل الأسباب الاقتصادية التي أدت إلى ظهور الفساد الاقتصادي في المجتمع اليمني ويمكن أن نقدم أهمها في ما يلي:

‌أ. أسباب تتعلق بالأجهزة نفسها :

حيث إن مصدر الفساد يكمن في وجود مجموعة من الثغرات والمشكلات الإدارية والإجرائية القائمة، كعدم التنسيق بين السلطة المركزية وغير المركزية، والتعقيد في الإجراءات، وعدم وضوحها ، وضعف الرقابة ، والازدواجية ، وتداخل الصلاحيات وافتقاد الجدارة في التوظيف وعدم إيلاء الجهات المختصة بمكافحة الفساد الصلاحيات الكاملة في الضبط والتنفيذ للقوانين والأنظمة.

‌ب. الفقر والبطالة:

تركزت الدراسات الميدانية على وجود علاقة قوية بين الفقر وجرائم الفساد والبطالة، حيث يعتبر الفقر سبب مباشر من أسباب الفساد الاقتصادي، لأن عدم توفير الأمن الاقتصادي وسوء الغذاء والكساء والرعاية الاجتماعية، يعمل على انتشار مظاهر الانحراف عند الفقراء.

‌ج. ارتفاع تكلفة المعيشة:

عندما ترتفع تكلفة المعيشة من جراء تدني الأجور يؤدي إلى انتشار بعض مظاهر الفساد مثل الرشوة ، التهرب الضريبي ، والتهرب من دفع الرسوم الجمركية والتلاعب بمواصفات المناقصات ، وكذلك اسغلال الوظيفة العامة في الحصول على دخول إضافية.

‌د. ضعف أو غياب الإرادة السياسية لمعالجة حالات الفساد ومحاسبة الفاسدين:

كثير من القيم الأخلاقية الإيجابية المتجددة في الحياة المجتمعية لا يمكن تفعليها في الواقع الاقتصادي بدون الاعتماد على جهاز مؤسسة رقابي يبحث عن الانحرافات السلبية سواء كان مصدرها أخلاقياً أم كان خلاف ذلك ، ويقوم بالتوجيه المتواصل ، والتقويم الدائم الذي يحد من تطور آليات الفساد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي ، وذلك لأن آليات الفساد الاقتصادي تتفاعل وتنمو بشكل مضطرد في ظل انتشار الفساد في نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية ..الخ

وهذا ما يعبر عنه علماء الاقتصاد المعاصرين بالتضخم الذي لا يمكن تجبنه ، فتكون النتيجة هي التعود على انتشاره وعدم الاكتراث به خاصة وأن الفساد يغذي نفسه بنفسه ويخلق مناخاَ متسعاً من الأعمال غير المشروعة التي تقوض عملية التنمية ، كما تؤدي العوامل التي ساعدت على نمو وانتشاره في الماضي إلى تحول الأنشطة المنتجة إلى صراع غير منتج على المغانم ، وبمرور الوقت يصبح الفساد راسخاً حتى  أنه حينما تتحرك الحكومات لاحتوائه في النهاية ، فإنها تواجه مقاومة شديدة من المفسدين.

 

ثالثاَ : صور الفساد الاقتصادي في المجتمع وآثارها الاقتصادية

من الصعب حصر كل صور الفساد في النشاط الاقتصادي من مصدري التشريع الإسلامي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، إلا أنهما حويا على معاني كثيرة وأفكاراً سامية ، حيث أتيا بكل ما يخدم المجتمع المعاصر في حاضره ومستقبله ، ومن بين ما أتى به القرآن الكريم أنه تحدث عن النشاط الاقتصادي حيث أن المجتمع لا يحيا بالروح فقط بل أنه يحيا بالروح والمادة معاً ، فإذا فسدت المادة في المجتمع وانهار اقتصاده ، وتم تدميره بالفساد فكيف يتأتى المحافظة على قيمه ومبادئه الروحية والأخلاقية الفاضلة وبالتالي لا يستطيع هذا المجتمع الرقي بين المجتمعات والأمم الأخرى.

أ‌. صور الفساد الاقتصادي:

1. فساد اقتصادي بمعصية الله عز وجل :

   وقد ذكر الحق تبارك وتعلى هذا المعنى في قوله تعالى:

– {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ }سورة البقرة- آية60.

– {أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }سورة الأعراف – آية 74.

– {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }سورة الروم- آية 41.

فقد دلت هذه الآيات على التحدث عن التذكير بنعم الله سبحانه وتعالى على قوم سيدنا موسى عليه السلام كما في الآية الأولى ، وقوم سيدنا صالح كما في الآية الثانية ، وأن المقابل  لهذه النعم هو الشكر لله تعالى وعدم الإفساد بالمعاصي،لأن الإفساد في الأرض بالمعاصي مقابل هذه النعم شأنه سلب هذه النعم كما دلت عليه الآية الثالثة حينما قال: { لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } ، بسبب الإفساد بالمعاصي ، ومما لاشك فيه أن الشكر يزيد من النعم ، وفي هذا رغد اقتصادي للمجتمع ، قال تعالى: { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ }سورة إبراهيم – آية 7 ، وأن المعاصي تزيل هيذه النعم وتسلبها وفي هذا ضرر اقتصادي على أفراد المجتمع ، قال تعالى : { وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } سورة إبراهيم- آية 7.

2. فساد اقتصادي في المعاملات التجارية :

ولعل أشهر صور الفساد في المعاملات التجارية صورتان :

– التطفيف في الكيل والميزان.

– الغش في المعاملات التجارية.

وقد أشار تبارك وتعالى إلى هذا الإفساد بطريق واضح وجلي في قوله تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }سورة الأعراف- آية 56.

فقد دلت هذه الآية عن نهي الحق تبارك وتعالى عن كل فساد بعد كل صلاح سواء تخريب أو تبذير… وبالمقابل التحذير من كل أشكال الفساد مهما كان نوعه.

وقال تعالى:{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }سورة الأعراف- آية85.

أما هذه الآية فدلت على الإيفاء في المكيال والميزان وعدم التنقيص فهذا يسمى نقصان حق الغير، وأما فيما يخص التبخيس فقد يكون ذلك في بخس السلعة وتنقيص ثمنها ، فتباع بأقل مما تستحق في نظر الناس ، وقد يكون الأمر العكس ، أي بخداع الناس ليشتري السلعة أكثر من ثمنها الحقيقي، وقد يكون كذلك في إخفاء عيوب السلعة ، فيخدع المشتري بظاهرها المزين، فإذا كشف عنها اكتشف الغش الذي لبس عليه ، والغبن الذي وقع عليه.

3. الفساد الاقتصادي بطريق الغش:

لقد ثبت حرمة الغش بالكتاب والسنة والإجماع:

فقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ } سورة النساء – آية 29.

{وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ } سورة البقرة – آية 188.

وقد دلت هاتين الآيتين على حرمة أكل أموال الناس بالباطل، ومن ذك عن طريق الغش أو التدليس وأعد القرآن الكريم هذه المظاهر بأنها من صور الفساد المنهي عنها.

4. فساد اقتصادي بإهلاك الحرث والنسل:

قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ{204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ{205} وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ{206} سورة البقرة – آية 204-205.

دلت هاتان الآيتان على أن هناك صنف من الناس شديد العداوة على الرغم من أن كلامه في الظاهر كلام حسن ، ولكن الحقيقة هي العكس أي أنه أشد الخصام ويسعى ليفسد الأرض ويعتدي على الناس والأموال ويهلك الحرث والنسل ، وهلاك الحرث والنسل هو هلاك الثروة وتخريب للعمران ، فهذا الفساد هو الأخطر إضراراً بالبلاد والعباد.

5. فساد اقتصادي في المعاملات المالية ( النصب والاحتيال والرشوة ):

وهذا واضح من خلال قوله تعالى:

– {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }سورة المائدة- آية 33.

– {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}سورة النساء- آية29.

 وتأتي دلالة هاتان الآيتان على أن الفساد هنا هو النصب ( الغصب) والرشوة ، وقد عرف الغصب التجاري بأنه أخذ الشيء ظلماً مالاً كان أو غيره ، وفي لغة الفقهاء بأنه أخذ مال متقومٌ وفي حرز مثله بلا إذن مالكه بغير خفية. أما فيما يخص الرشوة فلقد أجمع العلماء والفقهاء على تحريمها لأنها باب من أبواب أكل أموال الناس بالباطل، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لعن الراشي والمرتشي والرائش) رواه الإمام أحمد.

ب‌. الآثار السيئة للفساد الاقتصادي :

1. الآثار العامة للفساد الاقتصادي:

لاشك أن للفساد الاقتصادي آثاراً سيئة ، وأضراراً اجتماعية خطيرة ، فهو يسبب في زرع الأحقاد بين الناس ، والاستغلال السيئ للسلطة والموارد يزيد المجتمع ضعفاً وفقراً ، كما أن الفساد يعمل على زيادة البطالة في المجتمع، والتي يحدث عنها مشاكل ومفاسد اجتماعية واقتصادية خطيرة على نحو تدمير الموارد البشرية نفسها، والموارد الطبيعية زراعية كانت أو معدنية.

2. الآثار الخاصة للفساد الاقتصادي:

من أهم تلك الآثار السيئة على الاقتصاد والمجتمع ما يلي:

– يؤثر سلباً في الفعاليات الاقتصادية جميعها ، بما في ذلك عدم انتظام الحقوق والواجبات المترتبة على المواطنين وخاصة فيما يتعلق بإيرادات الدولة من رسوم وخدمات تتراجع مستوياتها نتيجة لتفشي الرشاوى.

– يضعف ثقة المواطن بفعالية القانون والنظام العام، مما يترتب عليه تشكيل منظومة بديلة مخالفة للمبدأ العام أساسها الممارسات السلبية، والمنافع الفردية.

– يعيد توزيع الدخل والثروة لصالح من يمتلك السلطة والجاه والذين يثرون على نحو مستتر وبطريقة سريعة.

– يستخدم كوسيلة لشراء الولاء السياسي للنظام الذي تتقاطع مصالحه مع مصالح مرتكبي الفساد وأنصارهم الذين يتحولون شركاء فعليين للنظام وبذلك يحصل الاغتراب النفسي لشرائح عريضة من المجتمع الأمر الذي يؤدي إلى عدم الاكتراث واللامبالاة في جميع القضايا العامة للمجتمع.

– يشوه الهياكل والبنى الاقتصادية، إذ يحفز على قيام مشاريع خدمية وذات ربح وفير سريع على حساب المشاريع الإنتاجية التي تشكل التنمية المستدامة التي تستفيد من الطبقات المتوسطة والفقيرة داخل المجتمع.

رابعاً : دور الاقتصاد الإسلامي في الوقاية من الإفساد الإقتصادي

للإسلام منهجه في الحياة الدنيا والآخرة ، وهو يتفرد بنظام لا يوجد له نظير أو مثيل ، وذلك لأن الله هو الذي ارتضى هذا الدين الإسلامي وجعله نظاماً دقيقاً يحيا به الناس ، قال تعالى: { اليومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } سورة المائدة- آية 3.

ومن منهج الإسلام محاربته للرذيلة أين كان نوعها، وحثه على الفضيلة مهما كانت قيمتها حيث يعمل على تنمية الفضائل في النفوس البشرية، ويهذبها بالأخلاق، ويدفع بها إلى الخير ويمنعها من الشر ، لأن الرذيلة ليس ورائها إلا الويلات والشرور ، وهي فتيل  يلهب المجتمع بنيرانه ويحرق النفوس بحقده وكراهيته.

إن تطبيق قواعد ومبادئ الاقتصاد الإسلامي ونطاقه في مختلف مجالات الحياة يعمل على درء هذه المخاطر ويحد من نتائجه وأضراره وتؤيده في ذلك كافة الأنظمة رغم بعدها عن العقيدة الإسلامية والمبادئ الشرعية إلا أنها  ترفض كل أشكال الفساد الاقتصادي في كثير من المجالات وأن أقرت بعض تلك المفاسد وخاصة الربا ، بل وجعلت منها مفسدة منظمة للأسف بأجهزتها وقوانينها ونحن معاشر الخطباء والمرشدين والمرشدات الدينيات يجب علينا جميعاً العمل على توضيح مبادئ وقواعد اقتصادنا الإسلامي وتطبيقه في الواقع حتى نبتعد عن الأضرار السيئة للفساد الاقتصادي ونعمل على حماية المجتمع من تلك الأضرار والمفاسد.

كما اعتنى الإسلام بمسائل منع الإفساد الاقتصادي وغيره على اختلاف صوره وأشكاله ، ومن تلك القواعد الذهبية التي إن تمسك بها المسلم لن يقع في الإفساد بمحض إرادته وإتباع القاعدة المعروفة(الوقاية خير من العلاج)، فالمسلم المطبق لتعاليم الإسلام عندما يعرف حرمة اعتدائه على أموال غيره بدون حق ومن الاعتداء الإفساد في المال العام فإنه سيمتنع عن ذلك استجابة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:” كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ” رواه مسلم.

 وسنحاول أن نعطي هذه القواعد التي تقي الفرد المسلم أهمية في الوقاية من الإفساد الاقتصادي.

1. الإيمان بالله :

المسلم الذي يؤمن بالله ، بمعنى : أنه يصدق بوجود الرب تبارك وتعالى ، وأنه عز وجل فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، رب كل شيء ومليكه ، لا إله إلا هو ، ولا رب غيره ، وأنه جلا وعلا موصوف بكل كمال، منزه عن كل نقصان، وذلك لهداية الله تعالى له قبل كل شيء. فالمسلم المؤمن بربه ودينه ونبيه محب لوطنه وأمته وخيراته وولاة أمره فلا يمكن أن يقع في الإفساد بإرادته لأنه مؤمن بربه كونه خليفته في الأرض، يميز بين الشر والخير، والحلال والحرام، ينهي عن المنكر ويأمر بالمعروف.

2. التمسك بالعبادات وأدائها:

العبادات بألوانها المختلفة تؤدي على منع جرائم الفساد بل إلى عدم وقوعها أصلاً. فعلى سبيل المثال: الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وارتكاب الفساد قال تعالى:

إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} سورة العنكبوت- آية 45.

وآداء الزكاة فيها تطهير للنفس والمال ، فإذا أعطي الفقراء ما وجب لهم على مجتمع الأغنياء انتهت حاجتهم ، وقضي تماماً على التفكير في السرقة ونحوها ، والزكاة لها دور كبير في منع جرائم الفساد المالي وغيرها، وهكذا العبادات لها آثاراً كبيرة في منع وقوع الفساد.

3. التمسك بالأخلاق الفاضلة:

التمسك بالأخلاق الفاضلة كالصدق والأمانة والإخلاص وحب العمل ، والتقوى وعمل الخير ، هذا يعمل على نشوء سلوك صحيح يحقق مرضاة الله تعالى ، ويعمل على تحقيق السعادة للإنسان والمجتمع ، أما عدم التمسك بالأخلاق الفضيلة يعمل على نشوء سلوك منحرف ولا يحقق السعادة ، بل يحقق التعاسة والسخط من رب العالمين.

4. تحريم الربا وتجريمه:

حرم الإسلام الربا تحريماً قاطعاً، بآيات القرآن الكريم، وبأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى الديانات الأخرى تحرم الربا لما فيه من أضرار اقتصادية وأخلاقية واجتماعية،قال تعالى:{ وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} سورة البقرة – آية 276.

وقوله تعالى:{يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }سورة البقرة – آية 276.

5. مهمة الدولة في النظام الاقتصادي الإسلامي:

مسئولية الدولة وتدخلها في مجال الاقتصاد أصل معترف به في التشريع الإسلامي، وتدخل الدولة في هذا المجال مهم ،  فهي مسئولة  عن الفقراء الذين لا يستطيعون العمل، وعن المساكين الذين لا عائل لهم ، وعن العاطلين الذين لا يجدون عملاً ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير على الناس راع ومسئول عنهم) حديث صحيح.

ويمكن تحديد مسئولية الدولة اقتصادياً بما يلي :

– تأمين العمل لأفرادها.

– تحقيق التوازن الاقتصادي في المجتمع.

– منع الظلم.

– جمع أموال الزكاة.

– محاربة الطرق غير المشروعة للكسب كالربا والاختلاس والرشوة.

– توزيع المال على المستحقين.

– المحافظة على المال العام.

– ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار وتنفيذ الأنظمة والقوانين.

– العمل على تحقيق مبادئ العدل وإرساء قواعد المساواة بين كافة أفراد المجتمع.

تحريم الاحتكار:

ومن هنا حرم الإسلام ” الاحتكار: وهو أحد العناصر التي تقوم عليها الرأسمالية الجشعة المتسلطة ، ويقصد بالاحتكار   حبس السلع عن التداول في السوق ، حتى تغلوا أثمانها ، ويزداد الإثم هنا إذا كان الاحتكار جماعياً تواطأ عليه تجار هذا النوع من البضائع ، ومثله أن يحتكر تاجر واحد الصنف كله لحسابه ، فيتحكم في السوق كما يشاء، وهذا ما يعده الإسلام مظهراً آخر من مظاهر الإفساد في الأرض.

قال صلى الله عليه وسلم: ” من احتكر فهو خاطئ” حديث صحيح رواه مسلم والترمذي وابن ماجه .

وقال صلى الله عليه وسلم: ” من احتكر طعاماً أربعين يوماً ، فقد برئ من الله ، وبرئ الله منه ” رواه أحمد في المسند.

7. منع التجارة في المحرمات:

من أول ما نبه عليه الإسلام وأكده هنا: منع الإتجار في المحرمات ، بيعاً وشراءً أو نقلاً أو توسطاً أو قياماً بأي عملية من عمليات تسهيل تداول السلعة المحرمة ، كونه يمهد لفساد منهي عنه.

8. ترشيد النفقات العامة:

لقد استخلف الله سبحانه وتعالى البشر في المال وأوضح لهم سبل الإنفاق الرشيد، وأمرهم أن ينفقوا مما جعلهم مستخلفين فيه. ومقتضى الاستخلاف أن يستشعر المسلم عامة والحاكم خاصة أنه أمين على هذا المال ، فلابد أن يسلك أفضل السبل وأقومها.

9. يجب حفظ الضروريات الخمس لكل فرد : وقد عد الفقهاء الضروريات بأنها فحظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل . لذلك يتوجب تأمين هذه الضروريات لكل فرد بوصفها حاجات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.

10. تطوير مهنتي المحاسبة والإحصاء لأنهما أداتان هامتان في توفير البيانات الضرورية لمتخذي القرار.

11. اعتماد معايير جدية في انتقاء العاملين، وعدم الاكتفاء بالمظاهر والأقوال لقوله تعالى: { ومِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ{204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ{205} وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ{206} سورة البقرة – آية 204-205.

ومن المعايير العامة:

أ- الورع: وذلك ليردعه عن مخالفة الأصول الشرعية” مجتهداً بأحكام الشريعة”، ومعرفة الحدود الفاصلة بين الحلال والحرام، فالمكتسب يحتاج إلى علم الكسب، وعلم الكسب ممزوج بعلوم الشرع وفقهه، ولا يمكن الفصل بينهما.

ب- الأمانة: وهي نتاج طبيعي للإيمان العميق بالله. وقد خص الله تعالى صفتي  القوة والأمانة لمن استؤجر للعمل بقوله: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} سورة القصص – آية 26 . فالضعيف لن يقدر على تحقيق الأمانة رغم اتصافه بها.

وقد قال  الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام:

{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } سورة يوسف- آية55.

ج- الدقة: بين الله عز وجل الدقة في الحساب بهدف تحقيق العدالة بقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } سورة الأنبياء- آية 47.

تطبيق العقوبات الملائمة على مرتكبي جرائم الفساد:

لقد نهج الإسلام منهجاً واضحاً في تطبيق العقاب الرادع لمن ارتكب جرماً وفي آيات ونصوص أحكام الحدود والحرابة دلالة واضحة لكل من تسول له نفسه في ارتكاب جرائم الفساد والإفساد في الأرض، كما أن بعض العقوبات تختلف من مفسدة إلى أخرى، حيث تتفاوت أنواع الأذى الحادث من الجريمة بتفاوت العقوبة المحددة لها في نصوص الشريعة.


ورقة عمل مقدمة للقاء التشاوري الثالث لتعزيز دور الارشاد في مكافحة الفساد والوقاية منه 7 ديسمبر 2011

(«1») للتوضيح أكثر يمكن الإطلاع على تقارير منظمة الشفافية العالمية على الموقع الالكتروني التالي: http://www.transparency.org/>

* هذا المؤشر يساعد على عقد مقارنات بين البلدان ، وتحليل الفساد الأداء الاقتصادي الذي يجب الوصول إليه ، وهو يعتبر مقياساً لتقدير حجم الفساد في المجتمع.

(«2») للتوضيح أكثر: يمكن الإطلاع على قانون مكافحة الفساد في اليمن الصادر عام 2006 برقم(39) .

(«3») انظر : ابن منظور ، لسان العرب.

(«4») الفيروز أبادي ، القاموس المحيط ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، مصر ، 1994، ص320.

(«5») للإطلاع أكثر انظر: محمد ضيف الله بطاينة ، في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية – الحياة الاقتصادية في صدر الإسلام- دار الفرقان ، عمان ، الأردن ، 1987م.

(«6»)  رشاد حسن خليل ، الفساد في النشاط الاقتصادي( صوره وآثاره وعلاجه) ، ورقة بحثية مقدمة للمؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي ، جامعة أم القرى ، السعودية ، 2005، ص12.

(«7»)  هناك صلة قوية بين الفساد والجريمة ، لأن الجريمة تزيد كلما انتشر الفساد وزادت عوامل انتشاره.

بواسطة
إعـداد / محمد علي السهماني - مدير الدراسات والبحوث وزارة الأوقاف والإرشاد
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى