دراسات وأوراق عمل

الفساد وأثره على التنمية

أولا:ً نظرية الاقتصاد السياسي : بناء نظري مستمر لفهم الفساد الاقتصادي :ـ

إن موضوع نظرية الاقتصاد السياسي :  بناء نظري مستمر لفهم الفساد الاقتصادي  وآثاره على التنمية والنمو الاقتصادي  هو يتجلى في بناء نظرية الاقتصاد السياسي للفساد .

وهي النظرية التي يظن البعض أن إطارها لم يتبلور إلا في العقد الأخير من القرن العشرين، عندما أصبح من الواضح ما يمارسه الفساد الاقتصادي من آثار ضارة سلبية على النمو الاقتصادي في المجتمعات المختلفة.

غير أن هذا الاعتقاد أو الظن يشوبه قصور كبير واختزال لمراحل البحث والاهتمام في جوانب البناء النظري للاقتصاد السياسي للفساد . .

إن الفساد أصبح ظاهرة عامة تعكس تدني وتخلف وسوء البنية المؤسسية والهيكلية للنظام الاقتصادي والسياسي والقيمي . وهو بهذا التعريف لم يعد فقط فسادا صغيرا وفسادا كبيرا ، فساد مستتر وفساد ظاهر وإنما فساد مركب يعكس أوجه خلل أساسية هيكلية في بنية المجتمع والدولة اقتصاديا وسياسياً وأخلاقياً :لذلك  فإن الاهتمام الأساسي لنظرية الاقتصاد السياسي تكاد تكمن في محاولة وضع إطار لاتجاه واحد وتحديد العلاقة والسببية بين الفساد والتنمية أو بين الفساد والنمو الاقتصادي .

هل الفساد يقود إلى تدهور وتدني المؤشرات الاقتصادية للمجتمع ؟؟

أم أن هذه المؤشرات هي التي تؤدي إلى وقوع الفساد ؟

وفي البداية : ارتكزت نظرية الاقتصادي السياسي للفساد على منتجة البحث الاستنباطية والتأملية لمسار ظاهرة الفساد وآثارها على مستويات الأداء الاقتصادي للمجتمع .

و منذ العقد الأخير من القرن الماضي ، برزت الدراسات التجريبية للفساد كأحد أدوات البحث العلمي لدراسة ظاهرة الفساد واتجاه علاقة السببية بين الفساد ومستويات الأداء الاقتصادي للدولة…

و يكفي أن أشير هنا إلى أن أحد نتائج الدراسات المهمة للفساد الاقتصادي قد أظهرت أن نحو67% من الفساد الاقتصادي المشاهد تعزى إلى تخلف الإصلاح المؤسسي وإتباع سياسات اقتصادية ومالية غير سليمة..

وكما ذكرت سابقاً فإن وضع إطار علمي لنظرية الاقتصاد السياسي للفساد أو اختصارا ( الفساد الاقتصادي).. لم يكن وليد الأحداث في وقتنا الحاضر،  فقد انشغل كثير من المهتمين والمفكرين والمصلحين بقضايا الفساد الاقتصادي في مراحل مختلفة من التاريخ وفي المجتمعات المختلفة..

و أجد أنه من المناسب عرض أبرز هذه المحطات والآراء:ـ

•1.  كان العلامة والقاضي والمفكر ابن خلدون قد ناقش العلاقة بين الإمارة ( أي السلطة) والمال حيث ذكرت عنوان: أن الجاه مفيد للمال،نذكر ما يلي :

   أننا نجد صاحب المال والحظوة في جميع المجتمعات المعاش أكثر ايساراً أو ثروة من فاقد الجاه والسبب في ذلك أن صاحبه مخدوم بالإعمال يتقرب بها  إليه في سبيل التزلف والحاجة إلى جاهه فالناس معينون له بإعمالهم في جميع حاجاته من ضروري  أو  حاجي أو كمالي ، والأعمال لصاحب الجاه كثيرة وهو يزداد مع الأيام   يساراً وثروة ، ولهذا المعنى كانت الإمارة أحد أسباب المعاش .

    إن العلامة ابن خلدون يشير هنا إلى أن سوء  استغلال الجاه المتمثل بالإمارة يقود إلى مراكمة الثروة بحق وبدون حق  وهكذا تؤدي السلطة إلى وقوع الفساد الاقتصادي  فاستغلال أصحاب الجاه (المتنفذين ) لمواقعهم في الدولة (السلطة ) يؤدي إلى الاستحواذ على النصيب الأوفر والأكبر من المنافع الاقتصادية ،، فهم مخدومون بالأعمال الكثيرة كما يقول ابن خلدون …

إن قدرة هؤلاء على مراكمة الثروة والأصول يؤسس الفجوة بين هؤلاء  المتنفذين  وبين شرائح المجتمع وهذا يؤدي إلى سوء توزيع الثروة التي تعد نتيجة من نتائج الفساد الاقتصادي .

•2.  اهتم مفكرو المدرسة المؤسسية أو ما أطلق عليهم بالمؤسسيين بالجوانب المؤسسية للنظام الاقتصادي للمجتمع والتي تشمل الجوانب الاجتماعية والسياسية  والقانونية والتنظيمية ، حيث كان يرى هؤلاء أن إهمال هذه الجوانب في إطار النظام الرأسمالي قد أضر بجوانب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ، وأن المنافسة واقتصاديات السوق قد فقد كفاءته وفاعليته كنظام واق للنشاط الاقتصادي ، وأن سيادة الاحتكارات والشركات الاحتكارية متعددة الجنسية قد أسهمت بدور بارز في العبث بهذا الاستقرار وأضرت بحقوق الأفراد .

   وبالتحديد فإن مشكلة عدم التوازن وعدم الاستقرار الذي اقترن بمظاهر الفساد الاقتصادي إنما يعود للفجوة القائمة بين الطفرة في التقدم التقني وبين البناء المؤسسي والتنظيمي في النظام الرأسمالي ، وهو الأمر الذي أدى إلى حالات اختلال في أشكال الملكية والتملك والتنظيم الاقتصادي للاحتكارات والعلاقة بين القطاع العام والخاص.

     هذه الفجوة أسهمت بشيوع مشكلة نقص التشغيل والبطالة والتضخم على نطاق واسع، وهذه الحالات إنما هي نتائج لهذا الاختلال المؤسسي.

•3.    ومنذ الخمسينات من القرن الماضي ـ اهتم الاقتصاديون بالفساد الاقتصادي بطريقة غير مباشرة ومن خلال الاهتمام بمصادر النمو الاقتصادي. حيث انتهت دراسات النمو إلى أن هناك جزء غير مفسر للنمو في نماذج النمو الاقتصادي .

فالنمو الاقتصادي لا يكفي تفسيره بدون عناصر الإنتاج الرئيسية كالعمل ورأس المال كما جاء ذلك في نموذج الاقتصادي سولو للنمو الاقتصادي وأن هناك مصادر أخرى أكثر أهمية في تفسير الجزء غير المفسر في النمو الاقتصادي .

و يأتي في مقدمة هذه المصادر دور المؤسسات والتنظيم المؤسسي الجيد في زيادة النمو وتفسير النمو الاقتصادي.

فالمؤسسات الجيدة والتي لها علاقة بقضايا الإنفاق والادخار والاستثمار والتوظيف والتشغيل والسياسات التمويلية كالسياسات المالية والنقدية تشكل قواعد للحكم الرشيد والجيد .

وقد جاء التأكيد على دور المؤسسات الجيدة من خلال تأثيرها الملحوظ على تعزيز الكفاءة الاقتصادية في تشغيل الموارد وإدارتها بصورة صحيحة وسليمة وكفؤة ، وبما يمكنها من القضاء على الفساد وضمان نمو اقتصادي مرتفع ومستدام .

ومن ناحية أخرى فإن بناء المؤسسات الجيدة أصبح أكثر أهمية في ظل العولمة وفتح الأسواق والتنافسية وتدفق الاستثمارات الأجنبية ، وهذه كلها تحتاج إلى مؤسسات قوية وفعالة من أجل خلق مناخ استثماري جاذب ومرغوب ومحفز للنمو الاقتصادي.

ثانياً : الدلائل التجريبية لدراسات الفساد الاقتصادي:

في السنوات الأخيرة انتقلت دراسات الاقتصاد السياسي للفساد من الإطار النظري إلى الإطار التجريبي الكمي لحالات الفساد الاقتصادي في مختلف الدول .

   وقد حقق هذا الانتقال خطوة متقدمة باتجاه بناء نظرية متكاملة للاقتصاد السياسي للفساد . وأن كان الأمر ما زال بحاجة إلى الدراسات المتعمقة وفقاً للمناهج العلمية الكمية و القياسية السليمة.

   وفي دراسة مسحية لأهم الدراسات التطبيقية في مجال الفساد الاقتصادي ، قدمت هذه الدراسات دلائل ونتائج مذهلة عن الآثار السلبية الخطيرة الناجمة عن الفساد الاقتصادي وفي ما يلي نعرض جوانب خطيرة من هذه الدلائل :

•1.  أظهرت دراسة منتوتانزي وآخرين أن الفساد يسهم في تدهور كفاءة الإنفاق الاستثماري العام والتآكل السريع للبنية التحتية نظراً لهشاشة وضعف مستوى جودتها بسبب الرشاوى والعمولات التي تؤدي إلى سوء استخدام الموارد المخصصة وزيادة كلفة هذه المشاريع والوساطات في اختيار المشروعات التي تكون رديئة وغير مطابقة للمواصفات الصحيحة .

•2.  أما دراسة الدكتور شانج جين وي فقد خلصت إلى التأكيد على الآثار السلبية للفساد على حجم ونوعية تدفقات الاستثمار الأجنبي ، وأرجعت السبب إلى تقدير المستثمر الأجنبي للفساد باعتباره ضريبة جائرة على أعمالهم إضافة إلى ان الفساد نفسه يشكل عنصراً من العناصر الرافعة لمستوى المخاطر التي تواجه هؤلاء المستثمرين .

•3.  أشارت دراسة جوبتا ولويس دي ميلو و راجوا  شاران إلى أن الفساد يكون مقترنا بارتفاع مستويات الإنفاق العسكري .

      وأكدت دراسة هؤلاء الباحثين وجود علاقة مباشرة ومستقرة بين مؤشرات الفساد والارتفاع المستمر للإنفاق العسكري ، حيث تواجه السلطة التشريعية والأجهزة الرقابية الأخرى صعوبة في مراقبتها والحكم على مصداقيتها تحت دعاوي السرية .

      ومن هذه النتائج توصلت الدراسة إلى تأكيد وجود علاقة سالبة بين الإنفاق العسكري ومعدلات النمو الاقتصادي باعتبار الإنفاق العسكري هو مجرد إنفاق استهلاكي يؤدي إلى توجيه الموارد بعيدا عن الاستثمار المنتج .

•4.   خلصت دراسة جوبتا  و روزا  لونسو وآخرين إلى تقرير أن الفساد يكون مقترناً بسوء توزيع الدخل والثروة ، حيث أكدت هذه الدراسة وجود علاقة سلبية بين الفساد وتوزيع الدخل والثروة .

•5.  وأخيراً أشارت دراسة جوبتا  و اربوين تنجستون إلى أن الفساد يقترن بتدهور مؤشرات التنمية البشرية بسبب تخفيض الموارد المخصصة لطبيعة أهداف التنمية البشرية إضافة إلى تدني كفاءة توظيف وإدارة هذه الموارد المخصصة والقليلة أصلاً.

                 ثالثاً : ماذا بعد ؟

•1.  إن قاعدة الكفاءة الاقتصادية التي تضمن الاستخدام الأمثل والإدارة الكفؤة للموارد تمثل جوهر اهتمام نظرية الاقتصاد السياسي للفساد ، فالرشد الاقتصادي يمثل قيمة أساسية يتكئ عليها مبدأ الكفاءة الاقتصادية ، واليوم أضحت قواعد الحكم الرشيد أو الحكومة الجيدة هي الضامن الأساسي لتحقيق الكفاءة الاقتصادية ، غير أن الفساد يعبث بهذا المبدأ ويؤدي إلى تدني الكفاءة الاقتصادية في إدارة الموارد، وهذا في النهاية ينعكس سلبا على النمو الاقتصادي وعلى مجمل أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية .

•2.  إن محددات ومصادر النمو الاقتصادي  المستدام والمرتفع يعتمد على عدد من العوامل والمحددات السياسية والاقتصادية والإدارية ومن أهم هذه العوامل :

  • المؤسسات القوية والفعالة والتي تمثل الأساس السليم للحكومة الجيدة .
  • مستوى ونوع الإنفاق الاستثماري العام .
  • مناخ الاستثمار الجاذب للاستثمارات الخاصة .
  • حجم و نوعية الاستثمارات الأجنبية.
  • حجم الموارد من القروض والمساعدات .
  • مستوى التنمية البشرية.
  • مستوى تخصيصات الإنفاق العام على قطاعات التنمية البشرية.
  • استقرار الأسعار وفي مقدمتها سعر العملة الوطنية وأسعار السلع الأساسية . غير أن الفساد كما ذكرنا سابقاً، يعبث بمسار تلك العناصر والمحددات للنمو الاقتصادي.

   وعندما يؤدي الفساد إلى آثار ضارة سلبية ضارة على تلك المحددات فهذا يعني أن الفساد يشكل مدخلاً سيئاً للنمو الاقتصادي وطارد للنمو الاقتصادي المستدام .

    وعند إلقاء نظرة كلية لمجمل مسار تلك المحددات بالنسبة لواقعنا في اليمن يجد المدقق ومن خلال المؤشرات الإحصائية حجم الضرر الذي ألحقه الفساد بمسار تلك المحددات ، ويلاحظ التالي  : لماذا النمو الاقتصادي في اليمن ما زال متواضعاً وبطيئاً وعقيماً لا يولد فرص عمل ولا يؤدي إلى زيادة مستوى المعيشة والقضاء على الفقر ؟

لنأخذ على سبيل المثال بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية التي وردت في تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة:

   كان الإنفاق الرأسمالي ( الاستثماري ) يشكل نمواً 9.6% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2003م ولكنه انخفض إلى 8.21% لعام 2004م  وليواصل انخفاضه إلى 7.9% لعام 2005م .

    ويلفت الجهاز النظر إلى أن المشكلة لا تكمن في مجرد تواضع قيمة الاعتمادات ، الأمر الذي يؤدي إلى حرمان الاقتصاد الوطني من الاستثمارات الضرورية لرفع معدلات النمو ويؤدي إلى تراجع الأثر التنموي للسياسة المالية وفقاً لرأي الجهاز.

    هناك مثل آخر عن قطاعات التنمية البشرية كالإنفاق على التعليم والصحة ، حيث يؤكد الجهاز على تراجع في تخصيص الموارد العامة لقطاع التعليم من 17% من إجمالي الإنفاق العام لعام 2003م إلى 16.6% لعام 2004م ثم إلى 14.3% لعام 2005م .

   ويؤكد الجهاز أن هذا يمثل تراجع في الأولويات الاجتماعية للسياسات المالية ، حيث بلغت نسب الإنفاق على التعليم ما يساوي 5.6% من الناتج المحلي لعام 2004م لنصل إلى 5.3% لعام 2005م .

وكما يؤكد الجهاز ، فإن هذه النسبة متواضعة بالمقارنة مع المعدل المستهدف بإستراتيجية التخفيف من الفقر، والذي يبلغ 9.4% من الناتج المحلي .

   وهناك مثل آخر عن مستوى تدني استخدام القروض . حيث يشير الجهاز إلى تعثر العديد من المشروعات الممولة بقروض خارجية ، وهو الأمر الذي يؤدي إلى طول فترات تنفيذ المشروعات وارتفاع تكلفتها النهائية .

   إضافة إلى عدم كفاءة وسلامة الدراسات المسبقة للمشروعات وعدم التخطيط السليم لبعض المشاريع الممولة بقروض خارجية.

   ومن أمثلة هذه المشروعات مشروع التنمية في محافظة ريمة ومشروع طريق سيحوت ـ نشطون ومشروع كهرباء   صنعاء الإسعافي .

    إن هناك العديد من المؤشرات الكلية التي تدل على مدى تغلغل الفساد وتأثيره السلبي على هذه المؤشرات والتي لا يتسع المقام لسردها في هذه الورقة ويمكن الرجوع إلى الوثائق والخطط الرسمية للدولة وخاصة مؤشرات التنمية البشرية وفيها معدلات وفيات الأطفال ونسب تدني الخدمة الصحية ومعدلات الانتساب في التعليم والإعادة والتسرب ، إضافة إلى نسب الأمية ومؤشرات انتشار التطعيم ضد الأوبئة والأمراض المعدية .

    وبصورة إجمالية ، فإن هذه الإختلالات ما هي إلا النتائج السلبية للفساد الذي يعتبر مؤسسة بحد ذاته ومرة أخرى ، فإن هذا يفسر لماذا معدل النمو الاقتصادي ما زال ضعيفاً في اليمن ؟

    و إذا كان هناك أعضاء فاعلين في السلطة التشريعية ، قد كان لهم مواقف مشرفة فيما يتعلق بالفساد في القطاع النفطي وغيره ، إلا ان الفساد كظاهرة وانعكاسها السلبي على النمو الاقتصادي بحاجة إلى وقفة جادة .

•3. الآثار السلبية على النمو الاقتصادي الناجمة من الفساد يطرح مجدداً جدلية الفصل بين الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي لأولئك الذين يحلو لهم هذا الفصل.

   في الماضي القريب أدى تدخل الدول في النشاط الاقتصادي في ظل كبح سياسي وقمع للحريات وغياب الشفافية والمساءلة وضعف المؤسسات أدى إلى الفساد الاقتصادي ، أي لم يكن الفساد واقعاً لمجرد تدخل الدولة في الفساد الاقتصادي وإنما القمع السياسي وضعف أسس الحكم الجيد كان له الأثر الأكبر في زيادة الفساد.

    واليوم فان انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي في ظل هامش ديمقراطي محدود يمارس نفس الأثر على الفساد وما ينتج عن ذلك من تراجع وضعف معدلات التنمية المستدامة .

    بل إن برامج الإصلاح الاقتصادي وما يتضمنه من سياسات وإجراءات غير مقبولة اجتماعيا قد تطلب تطبيقه قمع الحريات السياسية وإضعاف دور السلطة التشريعية واختراق وعزل وتحييد دور منظمات المجتمع المدني ومحاولة إضعاف دور الأحزاب السياسية في تشكيل رأي عام ضاغط على مصادر الفساد ومؤسساته.

    وهكذا أصبح الإصلاح الاقتصادي بهذه المنهجية يشكل مناخاً طارداً للإصلاح السياسي، وتشكل هذه الإجراءات بحد ذاتها نوع من الإفساد السياسي الذي يؤدي إلى التأثير سلباً على النمو الاقتصادي .

•4.  إن تحسين شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وضمان نمو اقتصادي مستدام ومرتفع يتطلب في الأساس القضاء على الفساد.

وهذا يتطلب التخلي عن جدلية الفصل بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي ، بل لقد أصبح الإصلاح السياسي شرطاً ضرورياً لنجاح الإصلاح الاقتصادي ورفع مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية .

    النهج المؤسسي لإصلاح نظام الحكم وتحقيق الحكم الجيد أصبح  السبيل الأساسي للقضاء على الفساد .

   إن المواجهة مع الفساد تمر بمرحلتين متداخلتين هما مرحلة مقاومة الفساد ومرحلة وقفه ومنعه .

وما زلنا في بدايات المرحلة الأولى من مقاومة الفساد والتي تتطلب ما يلي :

•·      فضح ممارسات الفساد في كل مرفق وجهة ومفصل .

•·      دور نشط لمؤسسات المجتمع المدني والأحزاب في مقارعة الفساد.

•·      صحافة حرة وقوية في كشف ممارسات الفساد .

•·      هيئة وطنية اسما على مسمى لمقاومة الفساد وليس مجرد ديكور للاستهلاك.

•5.   غير أن وقف الفساد ومنعه وهي المرحلة الأهم لا تتم إلا في ظل إصلاح سياسي حقيقي يؤدي إلى تقوية دور المؤسسات وفي مقدمتها سلطة تشريعية قوية منتخبة وفقاً لنظام انتخابي صحيح وانتخابات حرة ونزيهة ، ولا يتم إلا في ظل قضاء مستقل استقلالا حقيقياً .

إن التداول السلمي للسلطة هو الجسر الضامن للقضاء على الفساد ومنعه ، وهو الطريق الكفيل بتحقيق أعلى وتائر التنمية والنمو وهو الطريق إلى القضاء على الفقر والبطالة وسوء توزيع الدخل والثروة .

      وبدون ذلك سيظل الحديث عن الفساد مجرد حديث ترفي عبثي ولكنه بالطبع ستكون نتائجه مدمرة على المجتمع والدولة معاً.

 فهل آن الأوان لوقفة جادة لمقاومة الفساد ومنعه .

           أرجوا ذلك وشكراً ،،،

_______

قدمت الورقة في ندوة الأخلاقيات البرلمانية وتضارب المصالح التي نظمتها منظمة (برلمانيون يمنيون ضد الفساد) صنعاء 9 – 10 مايو 2007م

بواسطة
د.محمد الأفندي- عضو مجلس الشورى اليمني
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى