دراسات وأوراق عمل

دور البرلمان في مكافحة الفساد

مقدمة:

  إن سر الاهتمام الكبير  بطرق ووسائل محاربة الفساد ناتج عن تفشي ظاهرة الفساد واستفحالها في المجتمعات والدول المختلفة إذ لا يقتصر وجود الفساد على الدول النامية أو الفقيرة وإنما هو ظاهرة عالمية تعاني منها دول شتى متقدمة أو نامية  إلا أن الاختلاف يكمن في حجم الفساد ومدى السيطرة عليه و تفشيه.

  وحيث أن الفساد يمثل عائقاً كبيرا أمام الدول وتقدمها وتنميتها فقد صدرت العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بمحاربة هذه الظاهرة وكذا عقدت الكثير من الندوات والمؤتمرات الإقليمية والدولية للتعريف بالفساد وآثاره المدمرة وطرق ووسائل محاربته وكذا إبراز دور العديد من الجهات في محاربة الفساد ..

  وفي هذه الورقة سنركز على الدور الكبير والفعال للبرلمان والبرلمانيون في محاربة الفساد ، إذ أن البرلمانات يجب أن تكون هي المؤسسة الديمقراطية الحيوية والجسر المؤسساتي بين الدولة والمجتمع عن طريق القيام بوظائفها التشريعية والرقابية بشكل يؤدي إلى تقوية قيم الحكم الرشيد والمتمثلة في المحاسبة والشفافية والمشاركة وسيادة القانون إضافة إلى ذلك تسهم البرلمانات في تقوية استراتيجيات مواجهة الفساد بل أنها تعتبر جزءا هاما في عملية وضع أنظمة النزاهة الوطنية .

وفي هذه الورقة سنقوم باستعراض سريع نخلص فيه إلى النقاط التالية :

  • التعريف بالفساد وأسبابه ومظاهره ونتائجه .
  • دور البرلمان (مجلس النواب ) في مكافحة الفساد وعرض النجاحات والإخفاقات في أدائه .

الفساد

تعريف الفساد:

في اللغة : ورد في المعجم الوسيط معنى الفساد انه الخلل والاضطراب والتلف … وتعريف الفساد: أن المفسدة خلاف المصلحة .وافسد المال إفسادا أخذه من غير حق . والفساد مصدر نقيض الصلاح .

والفساد الذي نقصده هو: الفساد الذي يتسبب فيه الإنسان بصفته صاحب حكم وولاية  كما جاء في القران الكريم (( وإذا تولى سعى  في الأرض  ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ))

والفساد بهذا المعنى ينقسم إلى ثلاثة  أصناف :

  • الفساد بمعنى الظلم : وهو إلحاق الأذى بالإنسان ماديا ومعنويا بغرض الانتقام أو الرغبة في الإخضاع .
  • الفساد الذي يتسبب فيه سوء تدبير شئون الناس: وذلك لقلة الكفاءة والفعالية أو نتيجة لنزعة التفرد .
  • والفساد بمعنى الانتفاع غير الشرعي بحكم المنصب : أو هو إساءة استخدام المنصب العام من اجل تحقيق المنافع الشخصية ، أو لتحقيق مصلحة لشخص أو جماعة ما بسبب الولاء لهم أو لكسب ولائهم سواء كان ذلك في القطاع العام أو الخاص .

وهذا هو التعريف الذي نحن بصدد الحديث عنه وهو ينقسم إلى قسمين :

  • 1. الفساد الكبير : وهو الذي يقوم به كبار المسئولين على مستوى المناقصات والقروض وبيع وحدات القطاع العام …الخ
  • 2. الفساد الصغير : وهو ما يتعلق بالرشوة والوساطة والمحاباة …الخ

أسباب الفساد:

  يترعرع الفساد وينتشر حيثما تكون مؤسسات الحكم ضعيفة وتفسح الحكومة وقواعدها له المجال ونتيجة لاختلال وضعف الأنظمة السياسية والاجتماعية والقانونية ، وعندما تكون المؤسسات الرقابية كالبرلمان والقضاء والمجتمع المدني  والصحافة مهمشة أو مصابة هي بالفساد ، وفي كل الأحوال فان الفساد يتفشى وينتشر للأسباب التالية :

  • 1) غياب مبدأ المساءلة

  من اخطر العوامل التي تسهم في انتشار  الفساد وازدهاره هي غياب المساءلة للحكومة والمسئولين عن أعمالهم وأسباب فشلهم ومحاسبة من تورط في عمليات الفساد وغياب هذا المبدأ لم يسهم  في ازدهار الفساد فحسب بل ساهم في رفع الجرأة لدى الفاسدين على ارتكاب جرائم الفساد .

  • 2) غياب الشفافية

  ويتمثل في عدم القدرة على الحصول على  المعلومات الدقيقة في وقتها وبصورة سليمة إذ  أن انعدام الشفافية في أداء الأجهزة الحكومية وتسييرها للموازنة العامة للدولة وكذا حجم الإيرادات المختلفة وكيفية تنفيذ القروض وغيرها . تعد من عوامل وأسباب تفشي ظاهرة الفساد .

  • 3) ضعف المشاركة

من أسباب الفساد ضعف المشاركة الشعبية في إدارة الشئون العامة إذ أن المشاركة معيار حيوي كجزء من المواطنة وكشرط للمسائلة الفاعلة ، ولا تتحقق المشاركة الفاعلة في إدارة الشئون  العامة إلا بوجود فرص متكافئة لجميع المواطنين والقوى السياسية من خلال خلق بيئة قانونية وسياسية واقتصادية سليمة ، وإيجاد بيئة ديمقراطية صحيحة تمكن الجميع من المشاركة الفعالة ونظام انتخابي عادل يضمن وجود توازن حقيقي يساعد على المساءلة والرقابة على أداء الأجهزة الحكومية ، حيث أن الاختلال في مخرجات العملية الانتخابية غير السليمة يفرز أغلبية هي البرلمان والحكومة والقضاء فتنخفض المحاسبة ويستشرى الفساد .

  • 4) عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات

عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات  في النظام السياسي وطغيان وتغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية يقضي على  التوازن وبذلك تنتهي الرقابة المتبادلة يبن السلطات فينمو الفساد وينتشر.

  • 5) ضعف الإرادة السياسية لمكافحة الفساد .
  • 6) غياب تعدد وسائل الإعلام وحرية امتلاكها .
  • 7) ضعف منظمات المجتمع المدني .
  • 8) انتشار الفقر ونقص المعرفة بالحقوق الفردية .
  • 9) تدني رواتب العاملين في القطاع العام وارتفاع مستوى المعيشة
  • 10) ضعف جهاز الرقابة والمحاسبة وتبعيته للسلطة التنفيذية .
  • 11) قصور التشريعات التي تكافح الفساد وعدم وجود قوانين صارمة فعالة ضد الممارسة الفاسدة .
  • 12) فساد القضاء وعدم استقلاليته .

مظاهر وأشكال الفساد :

أشكال الفساد ومظاهره كثيرة ومتشعبة ويمكن تلخيص أهم تلك الأشكال والمظاهر في الآتي :

  • 1) الرشوة : وهي دفع المال للموظف أو المسئول مقابل تقديم الخدمات أو تخفيض الضرائب أو الجمارك أو الحصول على التراخيص وغيرها من التعاملات الغير قانونية وكذا ما يدفع للمسئولين الحكوميون لانجاز واجبات قانونية مناطة عليهم.
  • 2) استخدام المنصب العام للحصول على امتيازات خاصة دون وجه حق .
  • 3) التلاعب في المناقصات العامة من حيث :
  • التكليف المباشر للمقاولين دون الخضوع للتنافس عبر مناقصة عامة معلنة .
  • إرساء المناقصات على مقاول بعينه وعدم إتاحة الفرصة لتنافس حقيقي مما يؤدي إلى حرمان الآخرين .
  • تنفيذ تلك الأعمال بتكلفة مالية مبالغ فيها بشكل كبير مما يؤدي إلى العبث بالمال العام .
  • رداءة تنفيذ تلك الأعمال نتيجة عمليات الفساد .
  • 4) المحاباة والمحسوبية : وانتشار الوساطة في التعيينات والترقيات الحكومية وبيع الدرجات الوظيفية بعيداً عن الكفاءة وبذلك ينعدم مبدأ تكافؤ الفرص في الحصول على الوظيفة العامة .
  • 5) استنزاف المال العام وضياع الإيرادات العامة للدولة : من خلال منح التراخيص والإعفاءات الضريبية و الجمركية لأشخاص وشركات بدون وجه حق وكذا التهرب الضريبي .
  • 6) العبث بقطاع النفط وعدم الوضوح في المعلومات المتعلقة بكميات التصدير وكذا أسعار البيع مما يؤدي إلى تحقيق فوارق مالية كبيرة يتم التحايل عليها بالاعتمادات الإضافية وكذا في عقود الامتياز وغيرها ..
  • 7) التنفيذ العشوائي للمشاريع خارج إطار الموازنة العامة والخطط التنموية.
  • 8) استغلال المال العام لتحقيق مصالح سياسية وانتخابية .

نتائج الفساد :

يؤدي الفساد إلى نتائج وخيمة على الدولة والمجتمع يمكن إجمالها في الآتي :

أولاً: نتائج سياسية

  • يؤدي الفساد إلى تقويض الحكم وانهياره .
  • انهيار سيادة القانون .
  • تشويه العملية الانتخابية : بحيث تستبدل المنافسة بين الأحزاب السياسية القائمة على البرامج إلى العلاقات القائمة على أساس المصالح الشخصية وهذا لا يخدم الحياة السياسية .
  • تقويض ثقة الجماهير بمؤسسات الدولة .

ثانياً: نتائج اجتماعية

  • يتسبب الفساد في اتساع دائرة الفقر وتهميش الفقراء ويصنع الحقد الاجتماعي بين أفراد المجتمع ويؤدي إلى ظهور مفاسد اجتماعية كثيرة .
  • هجرة العقول والخبرات إلى خارج الوطن .
  • تردي الخدمات الصحية والتعليمية .

ثالثاً: نتائج اقتصادية

  • يؤدي الفساد إلى القضاء على التنمية .
  • يؤدي الفساد إلى خفض المعونات الدولية بسبب أنه يحول المعونات الدولية بعيدا عن أهدافها وهذا يسبب ضررا بالغا بالتنمية
  • تدني الاستثمار : كون الدول التي ينتشر فيها الفساد تكون من اقل الدول جلبا للاستثمار نتيجة لارتفاع كلفة رأس المال ووجود مخاطر تهدد عملية الاستثمار .
  • حدوث مشكلات كبيرة متعلقة بالميزانية العامة .
  • التهرب الضريبي .

دور البرلمان اليمني (مجلس النواب)  في مكافحة الفساد

  في هذا الجزء من الورقة سنقوم باستعراض دور البرلمان اليمني (مجلس النواب ) بمحاربة الفساد من خلال استعراض النصوص الدستورية والقانونية (اللائحة الداخلية) التي أعطت الحق للبرلمان في مساءلة الحكومة ومراقبة أدائها ومن ثم سنستعرض بعد ذلك نماذج مما قام به مجلس النواب في مكافحة الفساد ثم نعرج على بعض العوامل المعيقة لأداء المجلس لدوره .

أولاً: محاسبة الحكومة والرقابة على أعمالها

  تعتبر المحاسبة البرلمانية للحكومة إحدى الأدوات الفعالة للتقليل من الفساد والسيطرة عليه ، فهي عامل أساسي لمنع سوء استخدام السلطة وضمان توجيهها نحو تحقيق الأهداف بشكل دقيق وكفؤ وفعال .

  وان الديمقراطية البرلمانية تتطلب أن يقدم الحكام حسابا عن أفعالهم وان تكون الحكومة عرضة للمحاسبة ، حيث أن السرية وحجب المعلومات وعدم إتاحة الفرصة للمواطنين من الاطلاع عليها تجلب معها إمكانية الفساد وسوء الإدارة ،وتتمثل المحاسبة البرلمانية في الأتي :

•·        المحاسبة عن السياسات والقرارات السياسية .

•·        المحاسبة الإدارية وتوجيه البرامج والخدمات .

•·        المحاسبة المالية عن إنفاق الأموال العامة.

  ومن خلال وظيفة المحاسبة يتسنى للبرلمان القدرة على محاربة الفساد والتحكم فيه، كما يمكن أن يمارس البرلمان المحاسبة بمجموعة من الوسائل كتلقي التقارير الدورية عن أعمال الحكومة من الوزارات مباشرة أو عن طريق الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة التي تصل إلى البرلمان بشكل دوري وان كان لنا تحفظ على بقاء الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تابعا للسلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية ) إذ أن الوضع الطبيعي ليستقيم أمر المحاسبة والرقابة  على أداء  الحكومة أن يكون الجهاز تابعا لمجلس النواب باعتباره أهم أدوات الرقابة المالية والإدارية .

  والحقيقة أن الدستور اليمني واللائحة الداخلية لمجلس النواب قد أعطت هذه الصلاحية (المحاسبة والرقابة على أداء الحكومة ) لمجلس النواب حيث أن مجلس الوزراء مسئولين مسئولية جماعية وفردية أمام مجلس النواب ، والبرلمان هو من يناقش برنامج الحكومة ويمنحها ثقته أو يحجبها عنه .

  إلا أن مجلس النواب في هذا الجانب لا يزال في أدائه متأخرا عن النصوص الدستورية والقانونية نتيجة لطبيعة التركيبة الحالية لمجلس النواب ، حيث أن غياب التوازن السياسي داخل المجلس ساهم بشكل كبير في تعطيل دور المجلس في عملية المحاسبة والرقابة ، وكذلك تغول السلطة التنفيذية على أداء البرلمان أسهم في الحد من فعالية المجلس وأداء دوره بشكل سليم .

ثانياً: الأسئلة والاستجوابات وحجب الثقة .

  تعد هذه الوسائل الثلاث من الأدوات الفعالة التي يستطيع البرلمانيون على المستوى الفردي أو الجماعي ممارسه أدوراً هامة في مكافحة الفساد.حيث أن الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب أعطيا الحق لكل عضو من أعضاء المجلس في أن يوجه أسئلة إلى رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو الوزراء حول أي موضوع يدخل في اختصاصهم وألزمت من يوجه إليه السؤال أن يجيب عليه . (96 دستور) وجاء الفصل الثاني من اللائحة  الداخلية لمجلس النواب تحت عنوان رقابة المجلس لينظم الأسئلة في المواد (134-142) وهذه النصوص أعطت الحق في مساءلة أعضاء الحكومة عن أي أمر من الأمور المتعلقة بأعمال الوزارات والمصالح والمؤسسات الحكومية ، وهذا الأمر يعتبر بحق أداة مهمة في عملية الرقابة على أداء الحكومة ووسيلة ناجحة في الكشف عن الفساد والتقليل منه .

  وفي الحقيقة أن توجيه الأسئلة إلى الحكومة وأعضائها شهد تناميا ايجابيا من فصل تشريعي إلى آخر وأكثرها نشاطاً في الفصل التشريعي الحالي حيث بلغ عدد الأسئلة التي وجهت إلى رئيس الوزراء والوزراء ( أكثر من مائتين سؤالاً ) أسهمت هذه الأسئلة في الكشف على الكثير من الاختلالات ومكامن الفساد في محاولة جادة للتقليل من الفساد وآثاره  .

  كما أن المادة ( 97) من الدستور نصت على أن ( لكل عضو من أعضاء مجلس النواب حق توجيه استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو الوزراء لمحاسبتهم عن الشئون التي تدخل من اختصاصهم … الخ) ، وأكدت نصوص اللائحة الداخلية هذا الحق في الفرع الرابع من الفصل الثاني تحت عنوان الاستجوابات في المواد من (154الى 160) حيث بينت طريقة الاستجواب والإجراءات المتعلقة به بدءً بتقديم الاستجواب وانتهاءً بسحب الثقة عن الحكومة إن أفضى الاستجواب إلى ذلك . والحقيقة أن الاستجواب أداة مؤثرة في الرقابة البرلمانية والسيطرة على الفساد .

  لكن مجلس النواب لم يخض غمار هذا الأمر طوال الستة عشر عام الماضية سوى مرة في العام 2005م وهو الاستجواب الموجه إلى وزير الأشغال العامة والطرق ، ولكن هذا الاستجواب جوبه بمجموعة من العراقيل حتى أجهض لأسباب متعددة منها هيئة رئاسة المجلس وكذا عدد كبير من الأعضاء الذين يعتقدون أن محاسبة الحكومة نوع من المزايدة والتشهير ، ومن الأسباب أيضاً السلطة التنفيذية وتأثيراتها المفرطة على المجلس  ، إذ اعتبر الأمر خروجا عن المألوف وبذلك لم يكتب لهذا الاستجواب النجاح .

  والملاحظ أيضا أن الدستور وقانون اللائحة الداخلية للمجلس أعطت المجلس الحق في سحب الثقة من الحكومة شريطة أن لا يقدم طلب سحب الثقة إلا بعد استجواب يوجه إلى رئيس الوزراء أو من ينوبه كما جاء ذلك في المادة (98) من الدستور والتي بينت طريقة تقديم طلب سحب الثقة والعدد الواجب توافره من الأعضاء لتقديم الطلب ، وكذلك التصويت على سحب الثقة .

  كما جاء في المادة 93 من الدستور أن لمجلس النواب حق توجيه التوصيات للحكومة في المسائل العامة أو في أي شأن يتعلق بأدائها لمهامها أو بأداء أي من أعضائها وعلى الحكومة تنفيذها فإذا استحال عليها التنفيذ بررت ذلك للمجلس فإذا لم يقتنع المجلس بالمبررات يحق له مباشرة إجراءات سحب الثقة من احد نواب مجلس الوزراء أو الوزراء …الخ

  ومن خلال استعراض تاريخ مجلس النواب للفترات الثلاث الماضية لم نجد إلا حالة واحدة تقدم فيها الأعضاء بطلب سحب الثقة عن الحكومة في قضية القطاع النفطي (53) الشهيرة بعد أن تلكأت الحومة في تنفيذ توصية المجلس لها بإلغاء الصفقة التي قامت الحكومة بموجبها ببيع (60%) من حصة الشركة اليمنية تحت التأسيس لإحدى الشركات الأجنبية بثمن بخس ، وحين لم تلتزم الحكومة باشر أعضاء المجلس إجراءات طلب سحب الثقة عن الحكومة إلا أن الحكومة سارعت بإلغاء تلك الصفقة التي تعتبر من اكبر قضايا الفساد في القطاع النفطي التي استطاع المجلس كشفها بواسطة لجنة التنمية والنفط وإلغائها ، لأنها كانت ستكبد الخزينة العامة خسائر فادحة جراء التفريط بهذه الحصة في ذلك القطاع .

ثالثاً: اللجان البرلمانية:

  تعتبر اللجان الدائمة بالمجلس وكذا اللجان الخاصة ولجان تقصي الحقائق إحدى الأدوات المؤثرة في تفعيل الدور الرقابي للبرلمان حيث أن لهذه اللجان الحق في الرقابة على الوزارة والجهات الرسمية التي تتعلق بأعمال اللجنة ومساءلة مسئوليها وتلقي التقارير عن سير الأداء وتنفيذ السياسات والبرامج ومراجعة التشريعات المتعلقة بتلك الجهات ، وكذا متابعة تنفيذ القروض والمعونات ورفع تقارير بسلامة  التنفيذ ، وكذا مراقبة الوزارات والجهات الحكومية في مدى تنفيذ القوانين التي تخصها ومعرفة أوجه الخلل والقصور وكشف مكامن الفساد في الأجهزة الحكومية المختلفة ، ونظرا لأهمية بعض اللجان في الرقابة كاللجنة المالية فان بعض برلمانات العالم تنمح رئاسة هذه اللجنة إلى المعارضة لإنجاح عملية الرقابة على الأداء المالي للحكومة ، وهذا الأمر غير موجود في مجلسنا ونتمنى أن نصل إلى هذه المرحلة تعزيزاً لدور مجلس النواب الرقابي وتفعيله .

  كما أن اللجان الخاصة ولجان تقصي الحقائق تعد وسيلة مهمة في كشف الخلل وفضح الفساد وتعريته وكذا كشف سوء استخدام السلطة واقتراح المعالجات .

وبالنظر لقانون اللائحة الداخلية نجد أن اللجان الدائمة والخاصة ولجان تقصي الحقائق قد أعطيت صلاحيات واسعة والحقيقة أن بعض اللجان الدائمة بالمجلس قامت بادوار رائعة وكبيرة في محاربة الفساد وكشف قضايا فساد كبيرة وسنذكر بعضاً من تلك اللجان وبعض ما أنجزته في مجال محاربة الفساد والسيطرة عليه كالاتي :

أـ لجنة التنمية والنفط

لا أبالغ إذا قلت بان هذه اللجنة تعتبر في صدارة لجان المجلس الدائمة التي كان لها دور بارز في كشف قضايا فساد وإيقافها مثال ذلك

  • قضية القطاع النفطي (53) التي سبق الإشارة إليها .
  • قضية التمديد لشركة هنت في القطاع (18) الذي كان سيسبب إهداراً كبيراً للمال العام ، والذي ثبت أن قبول الحكومة لتوصيات مجلس النواب بخصوص إلغاء التمديد وتشغيل القطاع بأيدي يمنية انه حقق عوائد مالية كبيرة رفدت الخزينة العامة للدولة .

ب ـ لجنة الزراعة والثروة السمكية :

قامت اللجنة بادوار طيبة باتجاه محاربة الفساد وتجلي ذلك من خلال إنزالها للعديد من التقارير الرقابية مثل :

  • تقرير اللجنة حول الاصطياد العشوائي والجائر للأحياء البحرية كشفت من خلاله مدى العبث الحاصل في هذا الجانب .
  • كما أنزلت اللجنة عدد من التقارير المتعلقة بدراستها لتقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة .
  • التقارير المتعلقة ببعض القروض وكشف جوانب الفساد في إنفاق تلك القروض في غير ما خصص له.

ج ـ لجنة التعليم العالي والشباب والرياضة :

قامت اللجنة بالعديد من الزيارات الميدانية للجامعات اليمنية واطلعت على سير العمل فيها واعدت عدد من التقارير الميدانية كشفت من خلالها عن مجموعة من الاختلالات والممارسات الفاسدة في تلك الجهات وأوصت بالحلول المناسبة ومحاسبة مرتكبي تلك المخالفات .

وكذا زياراتها الميدانية للأندية الرياضية والمنشات الشبابية وتسليط الضوء على مكامن الخلل وبؤر الفساد والإهدار للمال العام وتوجيه الجهات المختصة بمعالجتها .

د ـ لجنة الصحة :

قامت اللجنة بالتحقيق في قضية القرب الملوثة باعتبارها إحدى قضايا الفساد في قطاع الصحة وأنزلت تقرير حولها وكذا عدد من التقارير حول أداء بعض المرافق الصحية ومستوى التدني في هذا الجانب .

هـ ـ لجنة الخدمات :

قامت اللجنة بالنزول الميداني للاطلاع على سير العمل في المشاريع الخدمية في قطاع الطرق والكهرباء وكشفت عددا من الممارسات المخالفة للقانون ،وكذا المشاريع المتعثرة التي حدث فيها إهداراً كبيراً للمال العام وأظهرت حالات فساد كبيرة في هذا القطاع.

و ـ لجنة القوى العاملة والشئون الاجتماعية :

قامت اللجنة بالعديد من الزيارات الميدانية لوزارة الخدمة المدنية وفروعها اطلعت من خلالها على مدى تنفيذ قانون الأجور والمرتبات وكشفت عن عدد من المخالفات والخروقات كما اطلعت على سير عملية التوظيف في أجهزة الدولة المختلفة وما رافقها من اختلالات وفساد وبيع للدرجات الوظيفية .

و ـ اللجان الخاصة ولجان تقصي الحقائق:

فقد شكلت العديد من لجان تقصي الحقائق من قبل مجلس النواب وكان لها ادوار طيبة في كشف حالات فساد وسوء استخدام للسلطة وأسهمت تقارير تلك اللجان في محاربة بعض مظاهر الفساد والتقليل منه .

  وهذا العرض الموجز البسيط لجزء مما قامت به بعض لجان المجلس ، ولا يعني عدم ذكر بقية اللجان غمط لأدوارها وما قامت به لكننا ذكرنا ما قامت به بعض اللجان على سبيل المثال لا الحصر .

رابعاً: الجانب التشريعي :

  الحقيقة انه مما يحسب لمجلس النواب عبر فصوله التشريعية المتعاقبة قيامه بانجاز تشريعات وقوانين عديدة على قدر كبير من الدقة والإجادة ونخص بالذكر عدد من التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد مثال ذلك الإقرار والمصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وكذلك إصدار قانون الإقرار  بالذمة المالية ، وأخيراً إقرار قانون مكافحة  الفساد والذي اعد بشكل جيد حيث تضمن هذا القانون إنشاء الهيئة العليا لمكافحة الفساد والتي سيناط بها تطبيق قانون مكافحة الفساد وكذا تلقي إقرارات الذمة المالية لمسئولي الدولة ، ولا زالت اللجان المختصة تناقش عددا من مشاريع القوانين ذات الصلة كتعديل القانون المالي .

خامساً: إقرار الموازنة العامة والحسابات الختامية :

  إن عملية إقرار الموازنة العامة للدولة ومراجعة الحسابات الختامية وإقرارها ومتابعة ومحاسبة الحكومة حول كيفية التنفيذ للموازنة ( إيراداً وصرفا ) تعد هذه العملية هي أهم أداة في يد مجلس النواب وأعضائه للتصدي للفساد والسيطرة عليه بصورة سليمة ودائمة .

  وبالنظر إلى النصوص الدستورية نجد أن الدستور في مادته (88) أوجب عرض مشروع الموازنة من قبل الحكومة على مجلس النواب قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية  إلا أن الدستور وفي نفس المادة لم يعط الحق لمجلس النواب في تعديل الموازنة إلا بموافقة الحكومة وهذا خلل كبير في تقديرنا وقيد على مجلس النواب في ممارسته لأهم صلاحياته الرقابية المتعلقة بالمال العام ( جوهر العملية الرقابية لمجلس ) ونرى ضرورة تعديل الدستور بما يعطي الحق الكامل للمجلس في التعامل مع الميزانية وتعديلها.

  ويقوم مجلس النواب بدارسة مشروع الموازنة العامة عبر لجنة خاصة يتم تشكيلها وفق نصوص اللائحة الداخلية وتبذل هذه اللجنة جهداً لا بأس به في دراسة الموازنة وإبداء ملاحظات كثيرة وقيمة وهو جهد مشكور إلا أن ذلك التقرير عادة يذيل بعبارة معروفة في كل تقارير الموازنات ( إن اللجنة توصي المجلس بالموافقة على مشروع الموازنة ) رغم كل الملاحظات والمثالب الموجودة بداخلها .

  ومما يجدر الإشارة إليه أن مجلس النواب ربط موافقته على مشروع موازنة عام 2005م بشرط التزام الحكومة بعدم إجراء أي إصلاحات سعريه تؤدي إلى رفع الدعم عن المشتقات النفطية والتي تؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار جميع السلع والتي تعارف اليمنيون على تسميتها ( بالجرع السعرية ) وربط هذا الشرط برجوع الحكومة إلى المجلس قبل الإقدام على تلك الخطوة ، وهي المرة الأولى التي يقف المجلس فيها وقفة جادة قبل إقرار الموازنة ، إلا أن ما يؤخذ على المجلس ولجنته المالية انه لا يقوم بمتابعة الحكومة حول تنفيذ الموازنة العامة ، وهذا قصور              يجب تلافيه .

  وفي اتجاه أخر ونظرا لعدم الدقة من قبل الحكومة في عملية تقدير الإيرادات العامة للدولة لاسيما الإيرادات النفطية والتي تمثل 70% من الموازنة فقد تحققت زيادات كبيرة في الإيرادات من فوارق أسعار النفط وكان الأصل أن توجه لتغطية عجز الموازنة وتوريد بقية المبالغ الفائضة في حساب خاص لرفد الخزينة العامة للدولة ، لكن الحكومة ذهبت في اتجاه أخر طوال الأعوام الماضية بتقديمها طلبات إلى المجلس لفتح اعتمادات إضافية رغم قيامها بصرف تلك المبالغ سلفا ، وصلت في سنة من السنوات 450 مليار ريال أي 54% من إجمالي الموازنة العامة لذلك العام ، وهذا يعتبر من أكثر الأمور إهدار للمال العام ويكتنفها الكثير من الفساد .

  لكن مما يؤسف له أن موقف مجلس النواب تجاه الاعتمادات الإضافية التي قدمت إلى المجلس كان سلبيا وكذا موقف اللجنة المالية حيث تقوم بالنقاش والدراسة لتلك الاعتمادات مبدية عليها ملاحظات هامة أبرزها أنها مخالفة بشكل صريح وواضح للدستور والقانون كون الحكومة قد قامت بصرفها أولا بأول دون الرجوع إلى المجلس وبان الحكومة تجاوزت الضرورة القصوى المنصوص عليها قانونا في مخالفة أخرى للدستور ، لكن اللجنة تذيل تقريرها بالموافقة كما هو الحال مع الموازنة العامة للدولة ، ويتبع ذلك موافقة أكثرية الأعضاء رغم معرفتهم أنها مخالفة للدستور والقانون وبأنه يعتريها فساد كبير  .

ومن المسلم به أن دور مجلس النواب لا يقتصر على إقرار الموازنة ومتابعة تنفيذها أثناء العام المالي بل أن المجلس مخول بمناقشة الحسابات الختامية للدولة وإقرارها لمعرفة مدى التزام الحكومة بالقانون في صرف الأموال العامة ، باعتبار أن الحسابات الختامية هي الأداة الحقيقة لمعرفة سلامة الصرف والإيراد ، والدستور اليمني أعطى هذا الحق لمجلس النواب ، إلا أن أداء المجلس في هذا الجانب لا يزال ضعيفا ولا تزال الحسابات الختامية لسنوات عدة مضت مرحلة ولم يتم مناقشتها لمعرفة مكامن الفساد والإهدار الكبير للمال العام ، ومن ثم محاسبة مرتكبي جرائم الفساد ليكونوا عبرة لغيرهم وليسهل السيطرة على الفساد .

وختاما ارجوا أن أكون قد وفقت في هذه الورقة في تسليط الضوء على موضوع الفساد ودور مجلس النواب في محاربته والسيطرة عليه وتشخيص مواطن القوة والضعف في أداء المجلس .

وبهذه المناسبة ادعوا جميع الزملاء أعضاء مجلس النواب لتضافر الجهود من اجل تعزيز دور المجلس الرقابي والتشريعي إسهاما منه في تحقيق التنمية ومحاربة الفساد وصون المال العام وتحقيق استقرار ورفاهية يمننا الحبيب.

والله الموفق ،،،

 __________

قدمت الورقة في ندوة الأخلاقيات البرلمانية وتضارب المصالح التي نظمتها منظمة (برلمانيون يمنيون ضد الفساد) صنعاء 9 – 10 مايو 2007م

بواسطة
أ.عبد الرزاق الهجري- عضو مجلس النواب اليمني-عضو منظمة برلمانيون يمنيون ضد الفساد
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى